الجمعة ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

هل كان كونديرا ستالينياً؟

اسكندر حبش - السفير

هل كان ميلان كونديرا ستالينيا؟ سؤال لا بد أن يثير الريبة عند محبي الروائي التشيكي (وأنا منهم)، إذ لم يفعل الكاتب في رواياته شيئا ـ وبخاصة تلك التي كتبها بالتشيكية قبل أن ينتقل إلى الكتابة بالفرنسية ـ إلاّ نقد الستالينية وكلّ الإيديولوجيات التي انبثقت عنها أو التي جاءت منها. يكفي أن نقرأ رواياته التي أفردت له هذا الحضور الكبير في دنيا الأدب لنتيقن من ذلك: لنتيقن من هذه الروح الإنسانوية التي تميزه.

ومع ذلك كان كونديرا ستالينا. هذا ما يقوله كتاب مارتن رزق «كيف نصبح كونديرا؟»، الصادر عن دار «لارماتان» وهو في الأساس جزء من أطروحة دكتوراه تمت مناقشتها في جامعة زوريخ (وصلني مؤخرا من صديق، إذ أنه صادر منذ سنوات)، حيث حاول فيها المؤلف أن يرسم لا فقط صورة عن الكاتب بل أن يغوص في أعماله. في هذه النقطة، يكمن الاكتشاف، إذ يعود الباحث إلى أعمال كونديرا التي كان نشرها في تشيكيا، وهي أعمال «تخلى» كونديرا عنها ولم يذكرها مطلقا في ثبت أعماله اللاحقة.

من هذه الأعمال دواوينه الشعرية. نعم كان شاعرا «مناضلا» يكتب مثلا «إلى ارض ستالين، سنذهب لنغرف قوتنا». أضف إلى ذلك انه كان عضوا في الحزب الشيوعي، وأن فاتسلاف هافل هاجمه يومها لأن وجد مواقفه معتدلة فيما يتعلق بربيع براغ. سيرة تبدو مجهولة بالنسبة إلى كثيرين منا، نحن الذين عرفنا بداياته مع رواية «المزحة». بيد أن تاريخا سابقا، امتد لفترة لم نعرف عنه أي تفصيل، سوى تفاصيل الملاحقة والقمع اللذين تعرض لهما، ما دفعه إلى اختيار المنفى ليعيش في باريس.

تضعنا حالة كونديرا هذه بين خيارين: هل ينبغي علينا اختيار الكتابة أم حياة الكاتب؟ جواب صعب، إذ عمره من عمر الأدب نفسه. على الرغم من أن هذه الحياة هي التي تشكل الكتابة في أغلب الأحيان. من هنا، هل يمكن لأي أحد منا أن يهرب من تاريخه؟ صحيح أن هذا التاريخ يحمل عارا كبيرا، لكن ما فعله الروائي، لاحقا، كان «الاعتذار» من نفسه، قبل أن يعتذر من الجميع، عبر كتابات رغب في أن تكون سيرة مخالفة.
في أي حال، هل يجب علينا أن نحرق كونديرا؟ سؤال يبدو مشابها للسؤال الذي طرح منذ فترة قصيرة، حين أعلن الألماني غونتر غراس، في مذكراته، أنه كان في الشبيبة النازية. إذ ما نتناساه أحيانا هو الوضع السائد الذي كان لا يرحم من يخالفه، إذ يجد الجميع أنفسهم مجبرين على القيام بأشياء لا يوافقون عليه، برغم أن كونديرا كان واعيا لتلك اللحظة، وفق الأطروحة الجامعية هذه.

اسكندر حبش - السفير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى