الأحد ٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧

قراءة فى ديوان العزا عند الحكومة لوســيم سـلامـة

بقلم : الدكتور اســمـاعـيـل الشـيـخـة

" الـعـزا عـنـد الحكومة " عـنوان مـراوغ جـدا ؛ لأنه يحـمل أكـثر من معنى .. هل هـو مجردخبر
يعـنى أن الـعـزا.. عـنـد الحكومة ؛ فـهـى الـتى أصـيـبـت بـمـصاب جلـل .. ومن ثم فهى الأدعى بالعـزاء والـمـشـاطرة والمشاركة ؛؛أم هـو تـقـريـر بـمكان الـمـصـاب .. أو الجـهـة التى لديها هذا المـصاب ؟ أم هـو تـقـريـر بأن الحكـومة هى الملجأ والملاذ أو العـزاء مما نعانى ؟ لأن الـعـزاء فى المدلول الشـعـبـى يعنىتطيـيـب الخاطر أو التعبير أو الرضا ..أما الـعـزا لـغــة فانه قد جاء بلسان العرب لابن منظور : أن العزاء : الصبر عن كل ما فقدت .. وقـيل : حسـنه أى حسن الصـبر وفى الحـــديـث الـشـــريـف " من لم يعتز بعزاء الله .. فليس منا "

معنى ذلك أن العنوان بمراوغاته يحمل أكثر من دلاله ، والعنوان عند الشاعر أو الأديب يعنى شيئا خـطـيرا وكـبـيرا ؛ لأنه يمـثل فى كلمات قلائل تلخـيـصا للأفـكار الرئـيـسة فى المـجـموعة الشعرية أو القصة أو الرواية أو العمل الأدبى أيا كان نوعه .
هــذا اسـم المـجـمـوعة الـشـعـرية التى يضـمها الديوان .. والتى نحن بصدد الحديث عنها .. أما الشاعرفـهـو الأسـتاذ / وسـيـم عبدالغنى سـلامه .. وهـو كما نعرف من بـيـت وثيق الصلة بالأدب عـامـة .. والـشـعـر خـاصـة ، وهـو قـد أهـدى هـذه الـمـجـمـوعـة لروح أخيه المرحوم الشاعر / محمد عبد الغنى سلامه .

والحق أقـول : لقـد عجـبت حين عرفت أن شاعرنا من أولئك اللاحقـين بالركب .. حـيث يأتى هذا الديوان الثانى فى رحلة الابداع المـنـشور لشاعر فى الرابعة والستين من عـمـره المديد " ويبدو أنه تواءم مع حياته العمليه معلما .. ثم مديرا عاما للتعليم .. وعاد الى الحياة الأدبية بعد انتهاء حياته العـملـية .. مـتـفـرغا للابداع فاختار الـزجـل قالبا فـنـيـا لـلـتـعـبـير عـن أفكاره ورؤاه .

والـزجـل .. أو أحـد فـنـون الـشـــعـر التى تـنـظم باللغة العامية .. أى تـلـك المـتحررة من قواعد الـفـصـحى .. وهـذه الـفــنـون أسـمـاها نـقـادنا الـقـدامى الـفـنـون الـسـبـعـة وهى :

الكان مـن كان ، والـمـوالـيـا أو الـمـوال ، والـسـلـسـلة ، والـقـوما .. والـزجـل ..والـدوبـيـت .. والـمـوشـح . واعـتـبـر القدماء أن كل نمط أو فن منها انما هو فن قائم بذاته ، ويقف ندا مستقلا فى مـواجـهـة شـعــر الـفـصـحى .

والـواقـع أن الـمـتـأمل فى مضامـين هذه الـفـنون أو الأنماط الشعرية وأشـكـال نـظـمـهـا يـجـد أنـها تـنـضوى تـحت لـواء فـن واحد : هـو فـن الشـعر والشـعـر شـعر .. فـصـيـحـا كان أو عـامـيا .

وكلنا نعلم أن هوميروس العظيم أنـشد اليـاذته على ربابـتـه فى الأسـواق بلغة العامة . اذن .. اذا كان الـشــاعـر واعـيا بـفـنـه ورسالـتـه محـسـنا لاسـتـخدام العامـية بوصفـها لغة العامة .. أى لغة الجميع فانه سيكون الأكثر انتـشارا وسوف يـسـتـمـع الـيـه الكثـيرون .. وهنا مكمن الخطورة لأن الـشـاعـر اذا كان مجـيـدا لأدوات فـنه .. اسـتـطاع أن يصل بـفكرته الى جـمـوع الـمـسـتـمـعــيـن أو الـقــراء الـذيـن يـتوجـه الـيـهــم بـخـطـابـه الـشـعـرى مـقــروءا.. أو مكتوبا .. أو مغنى .

( 2 )

ونـبـدأ مع شاعرنا اللاحق بالركب بعد غياب سنوات عديدة .. ومع ديوانه الثانى الصادر سنة 2..7 م.. بـعـد صدور ديوانه الأول والذى اختار له عنوان : دلع الأسامى سنة 2..6 م

نحن اذن أمام طاقة ابداعـية هائلة التدفـق .. تريد تعويض ما فات فى تلك السـنوات العجاف أدبيا والتى تخلف فيها شاعرنا عن غيره من رفاق العمر من المبدعين .

يقـول وسـيم سلامه فى قصيدته التى تسمى بها الديوان : العزا عند الحكومة .. والتى نـشرها فى أكثر من جريدة مسـتقلة أو حزبية ، لكنها ليست حكومية أو قومية .. وهذا يفصح بعض الافصاح عن دلالة العـنـوان .. ومن ثم المحتوى .. فى الجزء الأول من القصيدة نجده يتخذ موقفا منحازا الى الحكومة فـيـقـــــول :

الـلـى سـامعـيـنه الـنـهــارده .. والـلـى بـتـقـولـه المـعـارضـه

والمـشـاكسـين والـنـمـارده .. واخـده مــوقــف م الـحـكـومــه

شـكـلـهـــم عـامـلـــين كـتـيـبه .. كـل أفـكـارهــم عـجـيـــــبـه

لـمــا بـتجـيـلـهـــم مـصـيـــبه .. يـلـزقــوهــا فى الحكــومـه

شـــوف كلامـهـــم فى الجـرايـد .. والـلا أســلـوب العرايض

لـمــا يـبـقـى الحـقـــد زايــد .. يـخـلـقــوا عـيــب فـى الحكومه

وما ان نطمـئن الى أنه شاعر منحاز ربما بحكم سـنوات التـدجـين او سـنوات الـتوظف الحكومى .. او العمل لدى الحكومة طائعا مختارا.. فاذا بنا نفاجأ بأن الشاعر ينقلب على نفسة قائلا :

الكـلام ده مـــش بـتـــاعـى .. مـسـتـحـيــل حيـكـون دفـاعى

دالـلــى قـايــلاه الأفـــــاعـى .. هــز جــدران الـحـكـــومـــه

الـلى قـلـتـة مـش راضـيـهم .. عـمرى ما افـتن يوم عـلـيـهـم

دا الـلـى كاتـبـيـنــه بـاديـهــم .. والـلى عـرفــــاه الـحـكـومـه

ثم يسوق المبررات والفضائح الحكومية واجواء الفساد الادارى والوزارى .. والمصائب الكثـيـرة التى يـتـحملها الشـعـب فى صـبر يـحـسـد عـلـيـة :

الـضـمـــيـر واخــد اجـازه .. والـبـشـــر عـامـلـيـن جـنــازه

بـس لـو اعـرف لـمـــاذا ؟ .. الـعـــــزا عـنـــد الـحـكـــومـه

ربما اسـتـطعـــنـا هـنـا أن نـفـك شـيـئـا من لـغـز الاسـم : الـعـزا عـنـد الـحكومه .. يعـنى الـمـلـجأ والملاذ عندها.. أو ان كان الـبـعـض يرفع شعار الاسلام هو الحل ..فان شـاعرنا يـرى ان العـزا عنـد الحكـومـة ..أو الحكـومة هي الحل !! وانظر معى لقولة:

انـت لـيـه خـايـب يـاأسـطــه.. تـبـعــت الـشـكـــوى فـي بـوســــــطه

مـش تجيب لـك بـرضه واسطه.. تـنـفـعــــك عـنــــد الـحـكـــومـه !!

أنهـا قــمة الـمـفـارقـة .. من موقـع الفـلاح اللـئـيــم .. الـذى يـجـارى .. لـكـنـه لا يـتـبـع اتـبـاعا أعـمـى .. انــه يجارى الحكومة .. ويعـدد مثالبها وعيوبها ليفضحها وهو يـبـدو ظاهريا أنه معها .. ثم يـتـوقـف عـند أحـد رمـوز السلطة لسـنوات عـديدة ويفضح سلوكه الـمـشــين الذى تسـبب فى أمراض كثـيرة لبـنى وطنه مـضحـيـا بـجـمـوع الشـعـب الذى رعاه وأوصله أو تركه يصل الى قـمة هرم السلطة الحكومية .. ولكنه لم يـتـخـل عن أصله اليهودى فـباع الوطن والمواطـنـين لليهود .

ثم بـنـفـس الأسلوب الساخـر يرفـض شاعرنا مـنـح الـفـاسـدين أنواط الجدارة والأوسـمـة التى تعلى من قـدرهم .. بـل يجب محاكمتهم على ما اقترفوا فى حق هذا الشعب .

( 3 )

اذن .. نحن أمام شـاعـر اسـتـطاع أن يفـاجأنا بـمـوقـفـه الـرافـض لحكومه ملوثة .. وملوثة لثوب الطهارة فى هذا الـوطــن .. بـل انـهـا مـسـتـنـقـع فـســاد .. ولكـنـهـا الملجأ والـمــلاذ لـمـن ؟

لأولـئـك الـفـاسـدين .. أو الضـعـفـاء الـذين اسـتـسـلـمـوا ولـم يرفــضـوا هـذا الـسـلـوك الـمـشــين، وفـى مـنـتـهـى الـسـخــريـة يـقـــــول وســــــيـم :

لـســه عـنـدى كـتـــيـر ح أقـولـه .. كل شىء عـارف أصـولـه

لــو سـهـرت الـلـيــل بـطـولـه .. مــش حـتـسـمـعـنى الحكومـه

وبـنـفــس الـمـنـطق الساخـر يتوقف شـاعرنا أمام أصـحـاب الـقــرار فى هــذا الـوطـن مـتـســائـلا وأخـرتـهــا ايــه ؟

تـعـبـنـا وصـبرنـا وأخـرتـهـا ايـه .. مـحـدش جـبـرنا مـنعـرفـشـى لـيـه

وهـمـا الـلى قالـو وحـطـو وشـالـو ..وخـلـونـا نـحـلم بـمـسـتـقـبـل ايـه !

وفى هذه القصيدة .. كما فى غيرها ينحاز شاعرنا الى جـمـوع الـشـعـب الذين يشكون من الفســاد والمحـسـوبية .. والواسطة وغير ذلك من الأشكال السـلـبـية للسلطة أو ممارسة السلطة ..

ان شـاعـرنا يـضـعـنا أمام مواجهة بـين قـوتـين ، الـشـعب أمام الحكـومة أو الحكومة وهى تسوق الـشـــعـب .. وتحاول أن تضحك عليه مرات مرات .. والشـعـب وهـو يرفـص كل هذه الأساليب المرفـوضة والمذمومة حتى تلك المـتـمـثـلة فى غلاء الأسعار وعدم نجاح الحكومـة فى مواجهة هذه الكارثة التى تـفـتـك بأولـئـــك الـذين يـمـلكون قـروشـا قـلـيـلـة .. ولـديـهـم احـتـيـاجــات ومـطالـب باهــظـة الـتـكلـفـة .

الـنصـابـــيـن يـاجـدع .. صـايـديـنـــا لـيـــل ونـهــــار

شـاطـريـن فـى ضـرب الـودع .. وبـيـلـقـطـو الأخـبـار

مـالـيــيـن حـيـاتـنـا خـدع .. عـامـلـيـنـهـا بـطـن حـمــار

واحـنــا ان عـمـلـنــا الـبـــدع .. مـا بـيـقـبـلــوش أعـــذار

ان شاعـرنا مهـموم بقضايا الوطن والمواطن على كافة المستويات الداخلية .. والعربية والقومـيـة فـيـذكرنـا بـمـا يعانيه اخواننا فى فـلـسـطـين ويـتـرحم على زمـن الزعـيم الراحل جمال عبد الناصر .. ويرفض تلك الدعوات الهدامة التى يروج لها البعض بحجة حقوق الانسان مثل البهائية وغيرها من الأفكار التى يروج لها البعض واتـخـذ لـهــا عـنوان فزورة .. انه يقدم أفعال مرفوضه صادرة عن شخصية يفترض أنها شخصية مـسـئـولة .. ونافذة ولكنـها تؤتى أعمالا غير مسئولة ..

ان شـاعـرنا يـلــيـن كـثــيـرا ، لأنه يـتوجه لجـمـوع الشـعب وبلغة هذه الجموع التى تفهم الكثير مما يـتـحدث عـنه الشـاعـر .فاذا انـتـقـلـنـا الى لغـة الـشـاعـر ونـظـمه : فاننا سـوف نلمح تلك الموسيقى الزاعـقـة فى صـياغـته الـشـعـرية .. وكـيـفـيـة التـصـريـع والصـنعة الطـيعة والمـرنة فـى يـده .

( 4 )

انـه شــاعـر مـتـمـكـن من أدواتـه .. عارف بأسـرارها ولديه طاقة فى الغناء ربما لو اسـتـثـمـرها فى كتابة الأغنية لاسـتـقـطـبـنـا واحـدا مـن الـمـجـيـدين فى كـتـابة الأغـنـيـة ..

أيـضـا .. أجـاد الـشـاعـر كـثـيرا فى التعبـير عن قضاياه وبلغة مكثـفة .. وراقـية ، وحـين عالج قضايا تصم فاعلـيـها بالدونية لم تتدن ألفاظه .. ولكنه حافظ على رونق الكلمة وشرفها .

وشاعـرنا لـديـه الـقـدرة عـلى رسـم شـخـصـيـاتـه لـكـنـه لـم يـطـور هـذه الـقـدرة أو يوظـفـها جيدا فى شـكل درامى .. وهـو قادر على أن يقـدم قالبا درامـيا أو حواريا مـتعـدد المـسـتـويات ، ويبعد الشاعر عن السقوط فى الخطابية أو المباشرة .. كما فى بعض قصائد الديوان اجمالا ..

نـحـن أمـام طاقـة مـبـدعـة مـتـوهـجـة تريد أن تلحق بالركب .. مـفـجرة حولها ضجـيجا وعجيجا تـسـتـأهـلـه لاشـك لأن الـشـعـراء كـثـيرون .. والمؤمـنـين بقضاياهم قـلـيـلـون .. والـمـجـيـديـن مـنـهـــم أقــل ..

شـكـرا لـلـشـاعـر الـذى أمـتـعـنى بـديـوانـه ..

بقلم : الدكتور اســمـاعـيـل الشـيـخـة

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى