
قصيدة النثـر
ما تزال قصيدة النثر حتى الأن قضية خلافية تستحق الإنارة بين فترة وأخرى، على المستوى العام، وبخاصة بين النقاد تحديدا، فإننا نلتقي بمدرستين، الأولى ترفض قصيدة النثر تماما بإنحياز عار ومكشوف للقصيدة المموسقة، سواء كانت تقليدية على بحور الخليل أو على موسيقى التفعيلة، وهذا يذكرنا بمعارك دون كيشوت العربية ضد قصيدة التفعيلة في منتصف القرن العشرين، وهو ما يتعارض مع الفن، ذلك ان الفن في جوهره تقدمي متطور ومنحاز إلى الحياة دائما.
المدرسة الثانية، عقلانية في تعاملها مع المنجز الشعري، باتجاه التركيز على الشعر ذاته، على الفن، بالتالي فمرجعياتها هي القصيدة الشعرية بغض النظر عن بنيتها الموسيقية، بمعنى متابعة درجة تحقق الإبداع في المنجز الشعري سواء أكانت قصيدة تعتمد نظام الخليل بن أحمد أم نظام التفعيلة أم قصيدة النثر.
أما إذا أنتقلنا إلى الشعراء وإبداعاتهم، فإننا نلتقي في مجال قصيدة النثر بنمطين أو بتجربتين : تجربة ناضجة ذات حضور وخصوصية وشعر حقيقي، بمعنى تحقق الشعرية عبر الصور الشعرية، والإزاحات اللغوية، ونظام الاستعارة والمجاز، واستعمال المفردة لغير ما وجدت له في اللغة العلمية أو اللغة المباشرة عبر نسق لغوي شعري خاص. وهذا ما نلتقي به عند قليل من الشعراء العرب وبخاصة لدى محمد الماغوط، وأدونيس وأنسي الحاج، وتجارب عز الدين المناصرة، ومحمد القيسي، ونادر هدى وزليخة أبو ريشة، وعدد قليل آخر من شعرائنا الأردنيين.
ثم هناك تجارب معظمها شابة تأخذ منحيين اثنين : الأول : منها أقرب إلى القصيدة المترجمة عن اللغات الأخرى، سواء في قصر عدد أبياتها أو في طريقة تناولها لموضوعاتها - إن وجدت هذه الموضوعات أصلا - مع ملاحظة بقائها كموضوعات للشعر، وعدم القدرة على تطوير هذه الموضوعات إلى ثيم نصية مستوفية لشروطها الإبداعية وإذا أردت التمثيل أردنيا أشير الى المجموعات الشعرية الثلاث الأخيرة التي اعتمدت قصيدة النثر التي نشرت في عامي 2004 / 2005 ضمن تخصص قصيدة النثر.
الثاني منها أقرب الى الحكمة، والمفارقة العجيبة ان أصحاب هذه الحكم لا يمتلكون خبرة الحياة للوصول إلى الحكمة، كأنهم يستعجلون سنوات حياتهم، حيث ادعاء القصيدة في صورة بيتين أو ثلاثة أبيات، وكأنها خلاصة تجارب الحياة الطويلة. بالطبع هذا ليس شعرا على الإطلاق، إنه ادعاء الشعر، ورغبة غير مبررة للالتحاق بمواكب الشعراء.
لكننا نتساءل : هل يمثل هذا حكما نهائيا على مجمل التجربة الشابة في مجال قصيدة النثر ؟ بالطبع لا، إذ لدينا عطاء جميل لعثمان حسن في العديد من قصائده، وبخاصة في مجموعته الأولى، وكذلك قصائد عمر أبو الهيجاء والمجموعة الأولى لمريم شريف، وكذلك البدايات النثرية لزياد العناني، وإن كانت كتاباته الأخيرة أصبحت تميل إلى المنحى الثاني الخاص بالحكم والخبرة الحياتية على حساب الشعر والشعرية.
خلاصة نقول ان الشعر هو المرجع والمآل، الشعر بمعنى الصور الشعرية والإنزياحات اللغوية والاستعارات التي تقدم ثيمة نصية شعرية ذات نسق لغوي شعري متميز. الشعر هو الأساس سواء اكان مموسقا موزونا أو نثرا أقصد قصيدة النثر.
عن الرأي الأردنية
6/11/2006