الثلاثاء ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم ماجد عاطف

بحكم الضرورة

حين كنت بين الجمع المحتشد، أسفل السقف الخشبي الذي احترق بدخول دورية اقتحمت وأطلقت صوتها الحارق، تمكّنت من مصادفتها. المصادفة أمر مشكوك فيه.

وقفت إلى جانبها التقط عينات من البضاعة. الباعة أعرف طبيعتهم منذ وقت طويل وأعرف ما استجد عليهم..

برزت فجأة. ميّزتها لأنني رأيت صورتها منشورة على صحيفة، ولكن لم أتوقّع الحركة المترافقة مع الوجه المدور الصبوح التقليدي. أما أنا فقد كان شخصي واضحا، بعد إحالة معقّدة اتجنّب الخوض فيها..

وتمكنت من التواصل معها بطريقة من الطرق التي هي خفاء في العلن، عبر الانترنت. أعطيها لمحة بحيث تستطيع تشخيصي ومكاني، والعودة لمعارفها، وفي الوقت نفسه تكون غارقة بين سيل من الأسماء الأخرى التي من الصعب أن تقتصر عليها.

يمكنها أن تكتب لو أرادت. في مواقع متفرّقة قرأت لها. إنما من دون موقف في الحياة. قالت:

 تذرّعت بالذهاب إلى المستشفى. أنا مستعجلة. اكتب قصة حب، الموضوع ملح.

كأن هنالك خطراً عليّ ينبغي تبديده. مخاوف النساء غبية.

تناولت كيسها. نقدت الثمن على آلة المحاسبة. مضت بسرعة.

مع أنني أعرف عنها أشياء، لا بد من افتراض الأسوأ. أسرتها بسيطة وهي المتعلّمة فيها. ليس لها أي انشغال بالسياسة. انتقلت من مدينة إلى مدينة، فلّما غابت الأيديولوجيا (وهي المبرر الوحيد عندي إضافة للاضطرار لسكن الفتاة وحدها، أي قناعة تؤمن بها)، عرفت محرّكها الفعلي في الحياة.

ليس لي أن ألج عالمها. خطر جداً. اكتفيت بتعليقات تركتها على مدونة لها وفهمت ما خلفها. من داخلها تعتقد أنني أبحث عن فائدة أو مصلحة وصدر ما يؤكّد تفكيرا قديما لي. أعرف بوجود حيّز في الواقع بين التصرف المعبّر عن الشخص، وصورته الموجهة في عالم الافتراض. لما علّقت بداية وأجابت بصدق، أخذت ادرسها. اختبرت معارفها بالتفاصيل البينية، تعرف الطروح العامة أكاديمياً فقط، بينما أنا نقاش. لها قدرة على الاستيعاب، ولكنها غير مهتمة حقيقة. أصابها لا مبالاة واستسلام.

"قصة حب"، تعني، بصرف النظر عمّا اذا كان رأيها أو تسرّبه، أنها برغم كثرة القصص النسائية، لا يوجد هناك حب عندي. وفي الوقت نفسه أظهرت فهمها هي.

معرفتها نظامية لم تصل لمرحلة الخروج "عن اللائحة" وتذوّق شيء بدافع منها.

لما نصحتها أن تعود لأهلها مباشرة وأن تشكو لهم علتها، لأن الذي يستخدمها ولا يكترث لاحتياجاتها سيحوّلها لأسوا نوع من الخلق، إذا ما انفضحت حكاية، تأثرت.

تركت أثرا مكتوبا:

 "الذي لا تعرفه كالذي تعرفه"،

كان بوسعها استعمال "مَن". ما من خطر. بلغت هي لمرحلة معقدة. في واقعهن هؤلاء بسيطات جدا. تفهم عادي مع تثمين وعدم التدخّل كفيل بتلبية ما يحتجن اليه. وتنسج حياتهن على منوال الكتمان، ماضيات متوازنات بعد طول عزلة.
لا أعرف إذا ما يتمكن من التحرر يوما أم لا، فهؤلاء الذين احتلوا العائلات ويستعملونها، خاصة إناثها، سينتقل كل شيء عنهن إلى المسيطر التقني، مما يعني أنهن سلّمن بالفعل، إنما بغطاء فقط، قانوني أو وطني مزيّف ونظرا لأماكن السفر فأكثر، دولي. قدّرت الجهاز الذي يقف خلفها، حين أخبرتني عن طبيعة عملها المتّصل بتخصصها، وتجنّبته بسرعة أي معرفة عنه.

الذي يحترم نفسه، لا يقبل أن يكون أداة للاستعمال.

قرأت حكايات عن "أخوات" هنا وهناك، فعلن ما انكشف وصار ايقونة تحت ضوء منطفئ!

لم يوفروا لها حتى وظيفة عادية كاملة، واضطرت للعمل الجزئي!

لا يرحمون احدا في الأرض المقدّسة، ولو كان في صراع بينيّ فيهم. وعند المشاكل هذا يردح لهذا وذاك يرد على هذا. لا يمكن بالطبع أن أستجيب لطلبها، ولكني عزمت على جعلها تعيش هي نفسها قصّة حب بطريقة من الطرق الحديثة، بحيث تحقق نفسها بين قريناتها في مجتمعها الخفي. طريقة تعتمد على اشعارها بالاهتمام الفعلي مقارنة بسلوك الذكور وليس أيضاً مقياسا رائجا بين الاناث.

وفعلت.. على عدة شهور.

لما أحست بالتحقق، وربما ظن الذين خلفها أنها تستطيع التأثير في، توقفت عن الكتابة في المدوّنة. ربما انشعلت. وقعت في حرج.

ربما من الأفضل العودة للدافع الفعلي، في زمن التقنيات التي تحيط وتتوغل وتوظّف كل الناس كسوق من المعطيات الكلّية. من الأفضل العود للتصرف بحكم الضرورة فقط.

عندها بسرعة، وجدت طريقة رسمية لأخاطب أهلها مباشرة والفت نظرهم إليها.. لا ينبغي أبداً لسلطة من أي نوع الاستفراد بفتاة.

بعد نحو عامين رأيتها في المكان ذاته، بصحبة شخص لا أعرف من هو، نحو الأربعين يفوقها عدة سنوات. كانت علاقة مفاتيح متعددة ضخمة تتأرجح من أصابع راحته القابضة، سيّارة ومكاتب ومحلات وما شابه. منها، غبطة وألفة وتباهياً أمام الباعة وحركات حيوية، كانت تبدو. لست مهتماً إذا كانوا يعرفونها وترسل مضامين بينية، أم تستعرض في خارجها.

لم ترني وتسللت بسرعة.

فهمها لما طلبته بسيط في الحقيقة. تبسّمت ومضيت. هل تسببت لها/م بحرج من نوع ما بعد الصدمة، أم اكتسبت أهمية بحيث حصلت على مكافأة، أم تدخّل أهلها؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى