

لوح البنّور
لوحُ البنور الخليلي القديم، بألوان دخلها العناء مع الرزق والصهارة وشغف الصنائعيّ، اجتمعت في السكب لتعطي لونا محيّراً متعدداً سال في البوتقة قبل أن يبرد ويصير منتجاً نهائيا، لوحاً من البنور. ومضى إلى التشذيب بحسب المقاسات المطلوبة. واستقر في مخزن، فطلبية، فتركيب خلف الحداد.
انتهى إلى جانب دفة المدخل اليمني للمؤسسة حين انزعج إداريّ من كسرٍ في حافته اليسرى، بحجم نصف ملعقة صغيرة. ظهر له كتشوّه بصري يمسّ شكل الواجهة الكلّية أو السمعة.
انتزعوه واحتفظوا به احتياطاً لعله يلزمهم في المستقبل لانتزاع قطع صغيرة منه، فنوعية البنّور لم تعد تصنّع، ولا بنفس الطريقة القديمة. من الغرفة الرئيسة إلى المخزن ثم الحفظ في خزانة (عليه قماشة تغطيه) وأخيراً بيت الدرج، لما أعادوا تنظيم الأثاث وتجديد الديكور.
ونقلوه في النهاية إلى سنسلة تحيط الحاكورة من الداخل وأسندوه هناك. ربما تكاسل المراسل عن نقله بأمان إلى المخزن الخارجي الصغير، ونسيه. سرعان ما علته الأغبرة لعدة مواسم، فيها غبار وطلع ولقاح وبقايا كائنات وأشجار تأتي المياه لتغسلها دورياً وفي الوقت نفسه تبقي على آثار.
كان البنور الوحيد الذي نجا من تهشّم النوافذ والمرايا والأضواء والأكواب وشاشات الحواسيب والأشياء الزجاجية.
التناثر -كحبات رمل كبيرة بأشكال عشوائية منها الهندسي التام- امتدّ على البلاط البلدي لكل الغرف، حين لم يستطيعوا تفكيك قنبلة، أبلغ عنها هاتفياً مجهول هوية.
ألهذا الحد كانت القنبلة كبيرة؟
ولا أحد يعرف لماذا صدّقوا التهديد أو سببه.
أخلوا بسرعة المكان. خرج الموظفون هلعين. عطّلوا أنشطة الجمهور في الساحة، وبدأ يتدافع مشاركون للشارع بسرعة. ثم لمّا قرّر الدفاع المدني تفجير القنبلة البدائية التي تمكّنوا من ايجادها، الضخمة (وهي عبارة عن مسند عثماني من الخشب طوله أقل من نصف متر، لم ينجحوا في فهم طريقة الاستبدال والمرجّح من الداخل) لمّا قرّروا تفجيرها في مكانها؛ بعد عجز الدفاع المدني عن التعامل معها ونقلها؛؛ تهشم الزجاج كلّه.
يبدو أنه، لم يكن مزوّداً بمعدات الاحتواء وحاوياته، فلم يسبق وأن وصل لأي جهة فلسطينية أي تهديد بقنبلة، قبلها.
كانت النوافذ مفتوحة، وكلّها طالتها موجة التفجير، إلا ذلك اللوح. حماه، ربما، أنه كان بين جذع شجرة قديمة مهملة وأحجار بعيدة.