

الساعَةُ التاسِعَةَ عَشْرَةَ
القصة الفائزة بالقائمة القصيرة في مسابقة ديوان العرب رقم ١١ دورة الصمود، والمقاومة، ٢٠٢٥
الاِثْنَيْن مِثْلُ الجُمْعَةِ ، الأَيّامُ مُتَشابِهَةٌ بِطَرِيقَةٍ تَبْعَثُ عَلَى الاِشْمِئْزازِ حَيْثُ لا عُطْلَة عَنْ أَصْواتِ المَدافِعِ وَالزَناناتِ ، لا يَوْمَ يَمُرُّ بِلا ضَحايا وَنازِحِينَ مِنْ بُيُوتِهِمْ المُهَدَّمَةِ ، حَتَّى إِنَّ رائِحَةَ المَوْتِ طَغَتْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ تَقْرِيباً ،
لٰكِنْ ...
الجُمْعَةُ 19 / 1 / 2024
كانَ يَوْماً اِسْتِثْنائِيّاً اِنْتَظَرْناهُ طَوِيلاً ، بِالرَغْمِ مِنْ كُلِّ هٰذا .
الساعَةَ الأُولَى : 7:00 صَباحاً
بَعْدُ ...
– تِسْعُ سَنَواتٍ مِنْ اِنْتِظارِ عَصْر قَلْبِي وَمَسِّ رُوحِي.
– 2150 إِبْرَةً عَلَى مَدارِ تِسْعَةِ شُهُورٍ فِي تَثْبِيتِ الحَمْلِ.
– 105 أَيّامٍ عَلَى بِدايَةِ حَرْبِ إِسْرائِيل عَلَى قِطاعِ غَزَّةَ .
قَرَّرْتُ أَنْ تَأْتِي ...
تَحْدِيداً فِي المُسْتَشْفَى المَيْدانِيِّ الأُرْدُنِيِّ - خانْ يُونُس
دَخَلْنا أَنا وَأَنْت وَأُمُّ العَبْدِ جارَتُنا ، اِسْتَلْقَيْتُ عَلَى سَرِيرٍ فِي خَيْمَةٍ كَبِيرَةٍ تَحْوِي عَشْرَ أُسْراتٍ لِقِسْمِ الوِلاداتِ فَقَطْ، لَمْ أُشاهِدْ المَوْجُودِينَ لِأَنِّي كُنْتُ أَتَأَلَّمُ بِشِدَّةٍ وَبَعْدَ نِصْفِ ساعَةٍ فَقَطْ وَضَعْتُك .
قالَتْ لِي أُمُّ العَبْدِ مُبْتَسِمَةً : أَمْسِكِي سُمِّيَ إِنْ شاءَ اللّٰهُ أَلْفَ مَبْرُوكٍ
جبتيلنا بِنْت زِيِّ القَمَر.
وَحَمَلْتُك إِلَى صَدْرِي لِلمَرَّةِ الأُولَى .
أَنَسَتْنِي رائِحَتُك كُلَّ شَيْءٍ مِنْ دُونِ مُبالَغَةٍ شعرت أَنِّي وُلِدْتُ بِذاكِرَةٍ جَدِيدَةٍ نَظِيفَةٍ مِنْ كُلِّ مِرارٍ وَأَسىً.
وَعِنْدَ خُرُوجِي نَظَرْتُ عَلَى الَّذِينَ بِجِوارِي فِي الأُسْرَةِ
كانَتْ إِحْداهُنَّ تَنْظُرُ إِلَى وَلَدِها الَّتِي تَحْمِلُهُ إِحْدَى المُرافَقاتِ لَها وَعَيْناها مُحْمَرَّتانِ مِنْ البُكاءِ،
لِمّا لا تَحْمِلُهُ هِيَ!
سَأَلَتْ أُمُّ العَبْدِ رَدَّتْ: يا عَيْنِي مِشَ شايْفِي أَيْدِيَها ... مَقْطُوعَةً ، وَكانَتْ يَدُها اليَمِينَ مَبْتُورَةً مِنْ الكَتِفِ أَمّا يدها الشَمالُ فَقَطَعَتْ مِنْ الكُوعِ تَقْرِيباً نَتِيجَةَ إِصابَةٍ تَعَرَّضَتْ لَها مِنْ غارَةٍ أَسْقَطَتْ البِناءَ عَلَى عائِلَتِها بِالكامِلِ، ماتَ وَنَجا بَعْضُهُمْ مِنْ المَوْتِ لٰكِنْ مِنْهُمْ مَنْ فَقَدَ بَعْضَ أَطْرافِهِ، فِي سَرِيرٍ مُقابِلٍ كانَتْ مَرِيضَةً وَقَدْ أَتاها الطَلْقُ تَصْرُخُ بِشِدَّةٍ وَمَلَأَ صَوْتُها المَكانَ، عِنْدَ بابِ الخَيْمَةِ كانَتْ هُناكَ إِحْداهُنَّ وَقَدْ غَطَّتْها الدِماءُ، مَحْمُولَةٌ عَلَى نَقّالَةٍ لا تَتَحَرَّكُ وَشَعَرَتْ بِأَنَّها مَيِّتَةٌ ، خَرَجَت مُمَرِّضَةً مُسْرِعَةً نَحْوَهُم لِتُرْشِدَهُمْ إِلَى خَيْمَةِ الإِسْعافِ لِتَقُولَ لَها الطَبِيبَةُ المُرافِقَة: المَرِيضَةُ حامِلٌ وَسَوْفَ نُحاوِلُ إِنْقاذَ الجَنِينِ، فَتْحَنّا لَها طَرِيقاً لِلدُخُولِ وَخَرَجَنا لِلبَحْثِ عَنْ وَسِيلَةٍ لِنَرْجِعَ فِيها إِلَى الخِيامِ.
الساعَةَ الثانِيَةُ وَالثالِثَةُ: 8:00 - 9:00 صَباحاً
خَرَجْنا أَنا وَأَنْتَ وَأُمُّ العَبْدِ نَبْحَثُ عَنْ حُنْتُورٍ لِنَعُودَ إِلَى بَيْتِنا ( الخَيْمَةُ ) فلم يعد هناك وسائل النقل المعرفة من سيارات وغيرها أصبحت نادرة وباهظة الثمن إن وجدت وطبعا معرضة للقصف .كانت الرِياحُ مُخْتَلِطَةٌ بِالمَطَرِ تَصْفَعُ وَجْهِي ،اِحْتَضَنْتُك بِقُوَّةٍ وَشَدْتُ لِفَّةَ الغِطاءِ الصُوفِيِّ الَّذِي صَنَعْتُهُ لَك خِصِّيصاً لِيُغَطِّيَ كُلَّ بُوصَةٍ مِنْ جَسَدِك الصَغِيرِ ، بَقِينا عَلَى هٰذِهِ الحالِ أَنا عَلَى الكُرْسِيِّ مُنْتَظِرَةً حَوالَيْ الساعَةِ وَأَحْسَسْتُ بِخَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَمَسْتُ بِداخِلِي: يا رَبِّ اِحْمِي لِي اِبْنَتِي مِنْ هٰذا البَرْد
وَكَأَنَّ البَرْدَ هُوَ العَدُوُّ الوَحِيدُ!
الساعَةُ الرابِعَةُ : 10:00 صَباحاً
رَكِبْنا الحنتُورَ أَخِيراً وَكانَتْ فَرْحَتِي عَظِيمَةً لِما شاهَدْتُ أُمَّ العَبْدِ وَهِيَ جالِسَةٌ عَلَى العَرَبَةِ الخَشَبِيَّةِ بِكُلِّ فَخْرٍ وَتَضَعُ لِي غِطاءً لِأَجْلِسَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَعُدْ أَعْبَأُ بِأَوْقاتِ الاِنْتِظارِ الَّتِي أَمْضَيْتُها أَنا وَاِبْنَتِي فِي بَرْدِ كانُونَ القارِسِ.
وَعَلَى الطَرِيقِ المُوحِلِ وَسَطَ البُيُوتِ المُدَمِّرَةِ رَأَيْتُ الناسَ تَذْهَبُ لِتُؤَمِّنَ شَيْئاً تَقْتاتُ عَلَيْهِ هِيَ وَأَطْفالُها وَشَعَرْتُ أَنَّهُمْ يَبْكُونَ بِصَمْتٍ لٰكِنِّي لَمْ أَهْتَمَّ لَقَدْ كُنْتُ سَعِيدَةً.
الساعَةَ الخامِسَةُ : 11:00 صَباحاً
اِسْتَغْرَقَ الطَرِيقُ ساعَةً كامِلَةً مِن المُسْتَشْفَى إِلَى البَيْتِ (الخَيْمَةِ) مَعَ أَنَّ المَسافَةَ قَرِيبَةٌ وَتَسْتَغْرِقُ بِالسَيّارَةِ حَوالَيْ 10 دَقائِقَ لٰكِنَّ زَحْمَةَ الناسِ الَّتِي تَزُورُ أَقارِبَها فِي المَشافِي أَوْ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْ شَيْءٍ يَسُدُّ جُوعَهُمْ كانَ سَبَباً فِي تَأَخُّرِنا ، كَما أَنَّ الرِياحَ الشَدِيدَةَ وَالمَطَرَ جَعَلَتْ الدابَّةَ الَّتِي نَرْكَبُها تَقِفُ أَحْياناً غَيْرَ قادِرَةٍ عَلَى الاِسْتِمْرارِ بِحَمْلِنا وَالسَيْرِ ، كانَ اللّٰهُ فِي عَوْنِها هِيَ أَيْضاً لَها رُوحٌ وَأُشْفِقُ عَلَيْها.
وَضَعْتُك فِي زاوِيَةِ الخَيْمَةِ وَفَوْقَك كُلُّ ما يَصْلُحُ لِيَكُونَ غِطاءً حَتَّى صَرَخَتْ بِي إِمَّ العَبْدَ:
شَبَكٌ رايِحَة تَخْنُقِيها خَفْفِي عَلَيْها بِتَدايُقٍ مِنْهُمْ بَعْدِينِ .
قُلْتُ لَها: حاضِر
وَأَمْضَيْتُ ساعَةً كامِلَةً أَتَأَمَّلُ وَجْهَكِ المَلائِكِيَّ وَأَشْكُرُ اللّٰهَ.
الساعَة السادِسَة : 12:00 ظُهْراً
دَخَلَ جَوْهَرٌ ( والِدُك ) الخَيْمَة وَجَدَنِي مُسْتَلْقِيَةً وَأَنْت بَحِضْنِي ، قالَتْ لَهُ أُمُّ العَبْدِ: مَبْرُوكٌ تَرَبَّى بِعِزِّك وَدَلالِكَ يا اِبْنِي .
سَقَطَتْ الأَكْياسُ مِنْ يَدَيْهِ أَمّا قَدَماهُ لَمْ تَحْمِلاهُ فَجَلَسَ عَلَى رُكَبِهِ يَبْكِي وَيَقُولُ شُكْراً يا رَبِّ "الحَمْدُ للّٰهِ"
اِقْتَرَبَ مِنِّي وَقَبِّلَ رَأْسِي وَأَخَذَكَ بَيْنَ ذِراعَيْهِ يَشُمُّكَ وَيُقَبِّلُكَ وَيَضْحَكُ وَيَبْكِي.
وَراحَتْ أُمُّ العَبْدِ تَخْرُجُ مُحْتَوَياتُ الأَكْياسِ،
عُلْبَةُ جُبْنَةٍ مِنْ المَعُوناتِ وَكِيسٍ ثانِي فِيهِ القَلِيلُ مِنْ الطَحِينِ وَثالِثٌ فِيهِ جَوْرَبانِ.
قالَتْ لَهُ: وَاللّٰهُ لازِمٌ تَعْمَلُ حِسابَكَ تَصِيرُ تُجِيبُ أَكْلَ مُغَذِّي أَكْثَرَ مِنْ هِيكِ مَشانِ حَلِيبِ مَرَّتَكٍ يَدُرُّ بِصَدْرِها.
ضَحِكَ وَرَدَّ قائِلاً:
بِأَمْرِ عُيُونِهم رُحَّ جَيْب كُلُّ شَيٍّ يَحْتاجُونَهُ إِنْ شاءَ اللّٰهُ.
الساعَةَ السابِعَةَ وَالثامِنَةَ : 1:00 ، 2:00 ظُهْراً
راحَتْ أُمُّ العَبْدِ وَبَدَأَ أَبُوك يُشْعِلُ حَطَباً مِن أَخْشابٍ وَوَرَقٍ لِنَخْبِزَ لِأَنَّ الأَفْرانَ أَغْلَقَ أَكْثَرَها وَما تَبَقَّى مِنْها عَلَيْهِ زَحْمَةً غَيْرُ عادِيَّةٍ وَأَنا جَعْتُ كَثِيراً وَبَعْدَ مُرُورِ ساعَتَيْنِ كامِلَتَيْنِ نَجَحْنا وَأَشْعَلْنا النارَ الَّتِي حاوَلَت الرِياحَ إِخْمادَها أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ لٰكِنَّ إِرادَتَنا كانَتْ أَقْوَى مِنْها وَخُبْزُنا فِعْلاً عِدَّةَ أَرْغِفَةٍ وَدَخَلَتْ أُمُّ العَبْدِ بِصَحْنِ شُورْبَةً ساخِنَةً قُلْتُ لَها:
(أَجّاً بِوَقْتِهِ وَلِلّٰهِ)
رَدَّتْ : أَلْفُ صِحَّةٍ وَهُنا يا بِنْتِي
الساعَةَ التاسِعَةُ : 3:00 ظُهْراً
أَسْمَيْناك حَياةً
الساعَةُ العاشِرَةُ : 4:00 ظُهْرا
ذَهَبَ والِدُك لِيُحْضِرَ لَنا مَوادَّ غِذائِيَّةً وَبَعْضاً مِنْ التَمْرِ وَحِفاضاتٍ كانَ قَدْ تَغَيَّبَ عَنْ حُضُورِ وِلادَتِك لِأَنَّهُ عِنْدَ السادِسَةِ صَباحاً مِنْ كُلِّ يَوْمٍ يَذْهَبُ لِيُحْضِرَ لَنا الماءَ الصالِحَةَ لِلشُرْبِ.
حَيْثُ إِنَّ المِياهَ أَصْبَحَتْ نادِرَةً وَكُلُّها تَقْرِيباً مُلَوَّثَةً بِفِعْلِ القَصْفِ وَالحَرْبِ. فَعِنْدَما أَحْسَسْتُ بِأَنِّي أُوشِكُ عَلَى الوِلادَةِ كانَ قَدْ ذَهَبَ فَاِسْتَنْجَدْتُ بِأُمِّ العَبْدِ الَّتِي أَخَذَتْنِي إِلَى المَشْفَى فَوْراً.
الساعَةُ الحادِيَةَ عَشَرَ : 5:00 مَساءً
جاءَتْ أم العَبْدُ وَمَعَها أَوْلادُها لِيُشاهِدُوك وَيَلْعَبُوا مَعَك وَمَعَهُمْ فُسْتانٌ صَيْفِيٌّ بِلَوْنٍ زَهْرِيٍّ رائِعٍ.
مَتَى يَأْتِي الصَيْفُ وَتَنْتَهِي الحَرْبُ وَتَلْبَسِينَ فُسْتانَك يا حَياة.
الساعَةُ الثانِيَةَ عَشَرَ وَالثالِثَةَ عَشَرَ : 6:00 - 7:00 مَساءً
ساعَتانِ نَتَحَدَّثُ أَنا وَأَنْتِ يا حَياةُ كانَ الجَوُّ عاصِفاً وَالرِياحُ تَضْرِبُ الخَيْمَةَ بِقُوَّةٍ وَخِفْتُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْنا.
حَدَّثْتُك عَنْ قِصَّتِي مَعَ والِدِك.
أَنا وَجَوْهَرٌ دَرَسْنا الحُقُوقَ سَوِيّاً بِجامِعَةِ الأَقْصَى
كُنّا زَمِيلَيْنِ ثُمَّ صَدِيقَيْنِ ثُمَّ حَبِيبَيْنِ
وَاِعْتَرَفَ لَكِ يا اِبْنَتِي أَنَّنِي أَحْبَبْتُ والِدَكَ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ شاهَدْتُهُ فِيها وَقَدْ كانَ شابّاً وَسِيماً وَلَهُ عَيْنانِ خَضْراوَتانِ وَجِسْمٌ مُتَناسِقٌ مَعَ طُولٍ فارِعٍ وَأَنا أَيْضاً كُنْتُ جَمِيلَةً بِعُيُونٍ عَسَلِيَّةٍ وَجِسْمٍ مَمْشُوقٍ وَشَعْرٍ طَوِيلٍ خُرْنُوبِيٍّ لَهُ تَجْعِيدَةٌ خَفِيفَةٌ لِذٰلِكَ أَظُنُّ حَتْماً أَنَّ عَيْنَيْكِ مُلَوَّنَتانِ يا صَغِيرَتِي.
تَزَوَّجْنا وَلَمْ نُنْجِبْ لِتِسْعِ سَنَواتٍ كُنّا نَذْهَبُ لِلأَطِبّاءِ ،
يَئِسْتَ يَوْماً وَقُلْتُ لِوالِدِكَ: خَلِّصْ بِدِيشٍ عادٍ حاوِلْ تَزَوُّجَ غَيْرِي
لَمْ يَقْبَلْ أَبَداً . قالَ لِي يَوْمَها: يا مِنْك يا بَدِيشِ أَوْلادٍ مِنْ أَصْلِهِ
وَالحَمْدُ للّٰهِ أَطْعَمَنا اللّٰهُ أَنْتِ يا حَياتِي بَعْدَ صَبْرٍ طَوِيلٍ.
الساعَةُ الرابِعَةَ عَشَرَ : 8:00 مَساءً
أَتَتْ أُمُّ العَبْدِ تَكْشِفُ عَلَيْنا وَكُنّا مُتَجَمِّدِينَ مِنْ البَرْدِ لِأَنَّ لِأَغْطِيَةٍ كُلِّها وَضَعَها والِدُك فَوْقَك أَوْ عَلَى جانِبَيْك.
الساعَةُ الخامِسَةَ عَشْرَةَ : 9:00 مَساءً
أَحْسَسْتُ بِأَلَمٍ شَدِيدٍ فِي بَطْنِي فَذَهَبَ والِدُك يَبْحَثُ عَنْ ناسٍ لَدَيْهِمْ نارٌ مُشْتَعِلَةٌ حَتَّى يَصْنَعَ لِي كُوباً مِنْ النَعْنَعِ .
عِنْدَ حُلُولِ اللَيْلِ يَتَحاشَى الناسُ إِشْعالَ النارِ خَوْفاً مِنْ اِسْتِهْدافِها وَقَصْفِ المَكانِ.
تَلَحَّفْتُ بِغِطاءٍ وَشَعَرْتُ بِالدِفْءِ يَسْرِي إِلَى قَلْبِي عِنْدَما نَظَرْتُ وَرَأَيْتُ وَجْهَكِ المَلائِكِيَّ. كُنْتُ هادِئَةً تَبْتَسِمِينَ وَتَصْدُرِي أَصْواتاً وَكَأَنَّكِ تُغَنِّينَ لَنا .
الساعَةُ السادِسَةَ عَشَرَ : 10:00 مَساءً
أَكَلَتْ حَبَّتَيْنِ مِن التَمْرِ وَساندويش جُبْنَةً مَعَ لانشون جَلَبَهُ والِدُك لِأَنَّ اللُحُومَ أَصْبَحَت مِن الأَحْلامِ بَعْدَ إِغْلاقِ المَعابِرِ وَزادَت الأَسْعارُ وَقِلَّة البَضائِع وَكُنّا فِي بِدايَةِ مَجاعَةٍ حَقِيقِيَّةٍ .
نَظَرْتُ لِجَوْهَرٍ الَّذِي بَدا لِي أَنَّهُ جُنَّ بِالفِعْلِ كانَ كُلُّ خَمْسِ دَقائِقَ يَكْشِفُ عَلَيْك وَيُدَثِّرُكِ بِأَغْطِيَةٍ لا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ يَجْلِبُها قُلْتُ لَهُ: تَعالَ تَعَشَّى ما رُحَّ إِطِيرُ حَياةٍ لاحِقٍ عَلَيْها.
قالَ: تَعَرَّفِي يا أَمِينَةُ مُو مُصَدِّقٍ أَيْمَتْ فَيي أَلْعَب مَعَها وَأَخَذُها مِشْوارٌ .
ضَحِكْتُ وَقُلْتُ لَهُ: اللّٰهُ كَرِيمٌ تَخَلَّصَ الحَرْبُ بَس وَنَرْجِعُ إِلَى دَوْرِنا صَحِيحَ اِبْنَتِي حَياةً، أَنا وَوالِدُك لَدَيْنا شَقَّةٌ صَغِيرَةٌ غُرْفَتانِ وَصالَةٌ فِي حَيِّ السَلامِ بِخانِ يُونُسَ إِنْ كانَتْ ما تَزالُ قائِمَةً عَلَى الأَرْضِ سَوْفَ نَعُودُ إِلَيْها بِإِذْنِ اللّٰهِ.
الساعَةُ السابِعَةَ عَشْرَةَ : 11:00 مَساءً
صَوْتُ الزَنّانَةِ " بِنْتُ الكَلْبِ" طائِرَةُ الاِسْتِطْلاعِ الإِسْرائِيلِيَّةِ
لَيْلاً - نَهاراً ، كَمْ أَتَمَنَّى أَنْ نَرْتاحَ مِنْها
أَحْسَسْتُ أَنَّها أَزْعَجَتْك أَيْضاً لٰكِنْ يا اِبْنَتِي ما بِاليَدِ حِيلَةٌ.
الساعَةُ الثامِنَةَ عَشَرَ : 12:00 مُنْتَصَفَ اللَيْلِ
دَخَلْتُ أُمُّ العَبْدِ عَلَيْنا الخَيْمَةُ وَمَعَها كِيسُ حَلِيبِ بودرة لِأَشْرَبَ مِنْهُ كَأْساً فَهُوَ مُفِيدٌ لِي فِي هٰذِهِ الأَيّامِ شَكَرْتُها، ثُمَّ وَقَفْتُ وَسَأَلْتُنا إِذا كُنّا نُرِيدُ شَيْئاً مِنْها لِأَنَّها سَوْفَ تَنامُ
قُلْتُ لَها: بُدِي سَلامَتُك يَما مَعْلَشَ نادِيك يَماَ؟
اِقْتَرَبَتْ وَحَضَنَتْنِي وَقالَتْ: طَبْعاً أَنْتَ بِنْتِي زِيُّ وِلادِي اللّٰهُ وأمك وَصَتْنِي فِيك قَبْلَ ما تَمُوت اللّٰهُ يَرْحَمُها.
وَقَبَّلْتُكَ وَأَضافَتْ: إِذا صارَ شَيٌّ عالِصَغِيرَةٌ صَحِّينِيٍّ فَوْراً،
بِأَمانِ اللّٰهِ ، تُصْبِحُونَ عَلَى خَيْرٍ، وَرَحَلَتْ.
لَمْ أُخْبِرْك عَنْ عائِلَتِنا الكَبِيرَةِ يا حَياةُ
كانَ لَدَيْك جِدٌّ وَجْدَّةٌ وَخالانِ وَأَرْبَعُ خالاتٍ
بَقِيَ مِنْهُمْ خالٍ وَخالَةٌ واحِدَةٌ فَقَطْ الباقِيَ سَبَقُونا رَحِمَهُمْ اللّٰهُ ، قُتِلُوا تَحْتَ بُيُوتِهِمْ الَّتِي قَصِفَتْ بِوَحْشِيَّةٍ لٰكِنْ اِسْتَطاعَ اِبْنُ خالِك أَمْجَدَ الكَبِيرِ أَنْ يَنْجُوَ وَعُمْرَهُ فَقَطْ سَبْعَ سَنَواتٍ أخرجناه من تحت الأنقاض.
عائِلَةُ والِدِك بَقِيَ لَنا مِنْهُمْ عَمَّتُك خَدِيجَة وَأَوْلادُها،
أَعْمامُك زَيْنٌ وَعَلَيَّ وَجَدْتُك أَمْ جَوْهَرٌ بَقِيتَ عَلَى إِصْرارِها عَدَمَ مُغادَرَةِ بَيْتِها وَرَفَضْتُ أَنْ تَأْتِيَ مَعانا المُخَيَّمِ (اللّٰهُ يَحْمِيها) وَمَعاها وِلاد عَمُّكَ صابِر رَحِمَهُ اللّٰهُ الَّذِي قُتِلَ عِنْدَما ذَهَبَ لِيُؤْمِنَ مِياهاً لِلشُرْبِ أَمّا جَدُّك فَقَدْ تَوَفَّى مُتَأَثِّراً بِشَظِّيَّةٍ أَصابَتْهُ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ عَلَى بابِ الفُرْنِ بَعْد تعرضه للقَصَفَ مِنْ الطائِراتِ الإِسْرائِيلِيَّةِ. حَتَّى المَشافِي لَمْ تَسْلَمْ مِنهُمْ وَقُتِلَتْ عَمَّتَيْنِ لَكَ وَهُم يَعْمَلُونَ فِي مُسْتَشْفَى ناصِرٍ الطِبِّيِّ ، مَيْساءَ مُمَرِّضَةً 20 عاماً وَسَوْسَن طَبِيبَةَ 25 عاماً.
أَعْمامُك صابِرٌ وَمَدْحْتٌ قُتِلُوا مَعَ أَوْلادِهِمْ عِنْدَما قَصَفَتْ بُيُوتُهُمْ فِي بَيْتِ حانُونَ شَمالَ قِطاعِ غَزَّةَ.
رَحِمَهُمْ اللّٰهُ جَمِيعاً وَحَماكِ يا حَياتِي.
الساعَةُ التاسِعَةَ عَشَرَ : 1:00 بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَيْلِ
كُنّا نائِمَينِ سَوِيّاً فِي خَيْمَتِنا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ وَالفَرْحَةُ لا تُساعُ قُلُوبُنا
بِقُدُومِك يا مَلاكِي
كُنْتُ عَلَى يَمِينِك وَوالِدِك عَلَى يَسارِك نَحِضْنُك وَنَسْتَرِقُ النَظَرَ إِلَيْك كُلَّ حِينٍ .
فَجْأَةً سَمِعْنا دَوِيَّ اِنْفِجارٍ كَبِيرٍ وَاِخْتارَتْ إِحْدَى الشَظايا وَجْهَك الصَغِيرَ جِدّاً .
قَصَفُوا المُخَيَّمَ يا ناسُ ...
وَقَتَلُوا حَياتِي .
....
[ هذا وتنص المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تُعرِّف "جرائم الحرب " بما يلي :
الفقرة 2 (ب):
في حالة النزاع المسلح الدولي، تُعد جرائم حرب:
(2)(ب): توجيه الهجمات عمداً ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.
(2)(ب): توجيه الهجمات عمداً ضد الأعيان المدنية، أي الأعيان التي لا تُشكل أهدافاً عسكرية.
(2)(ب): شن هجوم مع العلم بأن الهجوم سيسبب خسائر عرضية في الأرواح أو إصابات بين المدنيين أو إضراراً بالأعيان المدنية.
(2)(ب): الاعتداء على المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات، وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شريطة ألا تُستخدم في أغراض عسكرية.]
"إن مخيمات اللاجئين تُعتبر مناطق مدنية محمية بموجب القانون الدولي. وقصفها يُمكن اعتباره انتهاكًا مباشرًا للمادة (8) من نظام روما. لذلك يجب أن يُحاسب المسؤولون عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية".