
مهرجان الكويت وعلماء "الرصيف" المسرحى!!
بدأت فى الكويت فعاليات المهرجان التاسع للمسرح المحلى الكويتى الذى يقيمه المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الذى أصبح مع مهرجان القرين الثقافى أهم حدث ثقافى فى منطقة الخليج العربى رغم كثرة المهرجانات المسرحية والثقافية الخليجية التى تحاول أن تقلد أو تقترب من هذا المهرجان للاستفادة من نجاحاته بعد ازدياد النقد الموجه لهذه المهرجانات حتى أن مجلس دبى الثقافى قد أرسل ستة من كوادره للاطلاع على كيفية إعداد وتنظيم المهرجان لعل ذلك ينفعهم فى الأيام والمهرجانات الخليجية المقبلة..
ولاشك أن نجاح مهرجان الكويت المسرحى لا يعود فقط إلى فعالياته الجادة من خلال العروض المسرحية والندوات التطبيقية والندوات الفكرية المصاحبة لأيام المهرجان فقط بل تعود أيضا إلى الاهتمام الفعلى الواضح فى المتابعة اليومية لكل الفعاليات من جانب رئاسة المجلس الوطنى وبالتالى كل العاملين بالمجلس حيث يقوم بدر الرفاعى رئيس المجلس بحضور كل المسرحيات والندوات وكثيرا ما يشارك فى أحداثها بالمشاركة تعقيبا أو توضيحا إذا ما تطلب الأمر ذلك خاصة وأن الأمر لا يخلو من كثيرا من المداخلات التى تحمل بعض الأفكار المغلوطة عن جهل أو حسن نية فى بعض الأحيان، ويبدو أن قدر بعض القيادات الثقافية فى عالمنا العربى أن تنال كثير من النقد أحيانا من بعض أصحاب الصوت العالى الذى سرعان ما يكتشف المرء أنه ضجيج بلا طحن..
شهدت أحداث مهرجان هذا العام علامات الوفاء المتكرر سنويا لأصحاب العطاء الثقافى والمسرحى حيث تم تكريم الفنانين علي المفيدي، إبراهيم الصلال، جاسم النبهان، مريم الصالح، محمد جابر، حياة الفهد، خالد العبيد، عبد الله عبد الرسول بجانب سعيد خطاب عميد المعهد العالى للفنون المسرحية الأسبق الذى وضع للدراسة الأكاديمية فى مجال المسرح قواعدها فى الكويت و المخرج الكبير جلال الشرقاوي الذى ساهم فى تأسيس المعهد الكويتى والتدريس فيه لمدة عام كامل عاد بعده إلى القاهرة ليواصل نجاحاته فى مسرحه الخاص الذى أصبح أحد أهم معالم الحركة المسرحية المصرية بفضل السياسة التى اتبعها جلال الشرقاوى كمخرج يحمل الكثير من الهموم الوطنية والأفكار العلمية فى مجال التخصص كأستاذ للتمثيل والإخراج حريص فى نفس الوقت على التجريب وإتاحة الفرصة لأفكاره فى صورتها المرئية كعروض مسرحية حاول فيها - كما قال لى منذ سنوات تزيد عن الثلاثين - أن يحقق خلالها المعادلة الصعبة فى العرض المسرحى الممتع والمفيد وهو ما نجح فى تحقيقه خلال مسيرته الفنية الطويلة.. وبجانب ذلك فإننى أعتقد أن جلال الشرقاوى بتجربته الثرية قد استطاع أيضا منح نفسه وأنفسنا الفرصة للتأكد من حقيقة أن الخلق والإبداع والتجريب يمكن أن يتم بعيدا عن الأجهزة الرسمية للدولة أو بمعنى أدق ليس على حساب الدولة والميزانية العامة التى كثيرا ما تم استباحتها تحت شعار الخدمة الثقافية التى كانت نتيجتها عادة إهدار الأموال الطائلة على كثير من العروض الفاشلة التى لا يشاهدها أحد لفرط إغراقها فى إدعاء العلم والثقافة.. و.. خدمة الجماهير فحققت نجاحا منقطع.. الجماهير أدى فى النهاية إلى تقديم العروض المسرحية للكراسى الخالية.. بينما جلال الشرقاوى يتحمل وحده ومن جيبه الخاص كل نتائج تجاربه المسرحية فيكسب حينا ويخسر فى أحيان أخرى على الأقل من الناحية المادية وإن كان - ونحن معه – يكسب فنيا وأدبيا بمسرحياته التى أصبحت أهم علامات المسرح المصرى التى يحلو للبعض أن يذكر على رأسها مدرسة المشاغبين وغيرها بينما أضع على رأسها ورأسنا روائعه انقلاب وعلى الرصيف والمليم بأربعة و بشويش وعطية الإرهابية و.. القائمة تطول وتطول..
لذلك لم يكن غريبا أن يتم تكريم جلال الشرقاوى الذى استطاع بثقة العلماء فى الندوة الخاصة به أن يقدم الدليل على أن الضجيج الإعلامى لا يصنع وحده الشهرة والمجد وذلك من خلال استعراضه لمسيرته الفنية وإن كان لم يذكر الكثير عن ما حققه كأستاذ أكاديمى وعميد ورئيس لقسم التمثيل من جديد فى تطوير المناهج الدراسية للمواد التى يدرسها طالب المعهد العالى للفنون المسرحية والتى أصبحنا نحتاج إليها فى جميع المؤسسات التعليمية فى مجال الفنون وهو بعد آخر فى شخصية جلال الشرقاوى ربما لا يعرفه الجمهور العادى الذى اعتاد على التعامل معه كممثل كبير أو مخرج متميز بينما حقيقة كونه أستاذا لا يبارى فى تخصصه تغيب عن الكثيرين ربما لعدم وجود أى مساواة بين شهرة الفنان الممثل والعالم.. حتى ولو كان عالما فى.. علوم المسرح..
وإذا كان مهرجان المسرح الكويتى قد أصبح الفرصة السنوية التى ينتظرها الكثير من الفنانين والمبدعين العرب للتلاقى وتبادل المعرفة والخبرات وأيضا الاطمئنان على بقائهم على قيد الحياة على الأقل وسط مناخ دفع ويدفع الكثير منهم إلى الهروب نحو الأسلم بالانزواء والاكتفاء بالفرجة من بعيد على واقع ثقافى لا يسر فى بعض أرجاء الوطن العربى، فإن الحقيقة أيضا أن الأجيال الجديدة من طلاب الفن وهواة المسرح لابد وأن تستفيد الكثير من خبرات الكبار أصحاب التجارب العريقة السابقة والباقية على مر الأيام..
تبقى الإشارة إلى النغمات الشاذة التى تصاحب عادة كل مهرجان سواء فى مصر أو مهرجان الكويت المسرحى من بعض المستفيدين من المهرجان ماديا وفى نفس الوقت يحاولون النيل منه ومن فعالياته وأحيانا بعض ضيوفه بالغمز واللمز وفى أفضل الأحيان بإدعاء المعرفة والتعالم الذين سرعان ما يتم كشفهم كما فعل بدر الرفاعى فى هذا المهرجان ودوراته السابقة فحافظ على المهرجان واستمراره ونجاحه وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول حقيقة النقد المسرحى فى عالمنا العربى الذى يصمت أصحابه ترفعا عن مواجهة هذا الوضع وتحليله.. على الأقل للاستفادة من كل ما يعرضه علماء "الرصيف" المسرحي الذين ساهموا فى جعل المسرح الخليجى على ما هو عليه الآن بفضل مساهماتهم الصحفية منذ أعوام وأعوام وكذلك مهرجاناته الكثيرة كل عام التى تستضيفهم ليس كسبا لعلمهم ولكن درءا لشرورهم بعد أن تحول النقد المسرحى عندهم ومعهم إلى "الشر" المسرحى.. بعد أن انتفت عنهم صفة "نقاد" المسرح وأصبحوا يعرفون بصفة "أشرار" المسرح!!