

أدبنا المحلي بين الأمس واليوم

الأدب في أراضي الـ٤٨ لم يكن يوماً مجرد نصوص تُكتب، بل كان ساحة مواجهة، وذاكرة جماعية تحفظ هويةً مهددة بالطمس. منذ اللحظة الأولى بعد النكبة، ارتدى الأدب عباءة المقاومة، ثم ما لبث أن تحوّل إلى مساحات أكثر تنوعاً، لكنه ظلّ مخلصاً لوظيفته الكبرى: تثبيت الوجود وصون الذاكرة.
الأمس: الأدب كصرخة بقاء
بعد عام 1948، وُجد الفلسطينيون في الداخل أمام واقعٍ ثقيل: مصادرة الأرض، عزلة جغرافية وثقافية، ومحاولات متواصلة لقطعهم عن عمقهم العربي. في ذلك السياق، كان الأدب وسيلة بقاء، وصرخة تؤكد أن اللغة ما زالت تنبض وأن الهوية لا تزال حيّة.
المجلات والصحف المحلية لعبت دوراً محورياً؛ فقد فتحت صفحاتها أمام القصيدة والقصة والمقالة، وحولت الكلمة إلى سلاح موازٍ للسلاح المفقود. المسرح كذلك نهض كفضاء جماعي يواجه الصمت، ويحوّل الخشبة إلى منبر للذاكرة والتعبير.
اليوم: الأدب كمساحة تنوع
مع مرور العقود، تغيرت الملامح. لم يعد الأدب مقتصراً على خطاب المقاومة المباشر، بل صار أكثر انفتاحاً على التجربة الإنسانية اليومية. ظهر اهتمام بالأسرة، بالحب، بالأسئلة الوجودية، وحتى بالقلق الفردي، إلى جانب استمرار حضور القضية والهوية في الخلفية.
وساهمت المؤسسات الثقافية المحلية، والمهرجانات الأدبية، في خلق منصات جديدة للنشر والعرض، مما أتاح للأدب أن يتطور ويتنوع في الأشكال والأساليب.
بين الأمس واليوم: ثوابت وتحولات
يبقى القاسم المشترك أن الأدب ظل حارساً للذاكرة، ومجسداً لصوت جماعي يواجه العزلة. الأمس حمل همّ المقاومة والتجذر، واليوم يحمل همّ البحث عن التوازن بين الانتماء والعيش الطبيعي. لكن في الحالتين، تبقى الكلمة البيت الذي يسكنه الناس حين تضيق بهم البيوت، والصوت الذي يواجه محاولات التغييب.
الأدب المحلي في أراضي الـ٤٨، إذن، ليس تاريخاً منغلقاً ولا مجرد حكاية قديمة، بل هو مسار متجدد، يشهد على جراح الأمس، ويعكس قلق الحاضر، ويظل قادراً على أن يكون أحد أهم وجوه الهوية الفلسطينية