هدهدُ النَّواعير
غسَّلْتُ يا أمّي سوادَ الَّليلِ بالغناء، نجمةُ الحنينِ
داخَ ضوءها ازْرَقّتْ عيونها، فشُحْتِ عني ما الذي يا أمّي بليلي أجفَلَكْ
أخاف أوّلَ الَّليلِ عيوناً راودتْني عن غِنايَ لكْ
لصوْتِ أُمّي في الّليالي السّودِ لَمْعُهُ أوّلُهُ أقصى المدى آخرهُ أسْمى فَلَكْ
صدى أغانيها مَخَدَّتي عليها وحْشَتي أَطْوِيْ أنامُ كالسَّمَكْ
ينامُ في البحارِ مفتوحَ العيونِ ظَنَّ كلَّ مَوْجِةٍ شَبَكْ
ولا تُصَدّقْ أنَّ ما في القلبِ لي يكونُ في الكلامِ لَكْ
وليسَ ما لي لا يكونُ لَكْ
بُنِيَّ كمْ غَنِّتُ لَكْ
فلا تُغَنِّ لي إذا ضَيَّعْتَ أُمَّاً أَتَظُنُّ مِنْ قصيدةٍ
تَشْتَقُّ أمّاً كالقوافي في سُكونها تُسَكِّنَكْ
و مَنْ يُسَوِّيْ بالكلامِ قَصْرَ حُبٍّ لا يُسَوِّيكَ بأرْضِهِ مَلَكْ
ولا تُصَدِّقْ أنَّ كلَّ لوزة زَرَعْتَها
بياضُ زهرها سيُشْبِهُ قلباً يغنِّي اليومَ لَكْ
بُنَيَّ لا تَظُنَّ أنّ النَّسْرَ إنْ حلّقَ في سماكَ مرَّةً سيُهديْ الأُفْقَ لَكْ
وليسَ كلُّ مَنْ هزَّ الرِّيْحَ قدْ يُسَوِّيها سريراً فارهاً لحُلْمَكْ
بُنَيَّ ما مِنْ حِكْمَةٍ تصيرُ خيْمةً لِمَنْ لا وطنٌ كان له وإنْ يكنْ فَلَكْ
أُمِّي تُغَنِّي يا غريبَ الرُّوحِ روحي كلُّها تَفَتَّحَتْ سواسناً تُهَدْهِدُكْ
حمِلْتُ قبري على رأسي كي أطيرَ حَولكَ
في الّليلِ لا تَخَفْ بُنَيْ إنْ أنيناً للنّواعير علا يَحِنُّ إن غنّى لَكَ
في الّليلِ لا تَخَفْ إذا ما الطُيرُ قد حَطَّتْ على شباككَ
بُنيَّ إنَّ واحداً منها على الأقلِّ هُدْ هُدُكْ
عيني عليك لا تخفْ في الِّليلِ هدْهدُ النَّواعيرِ أنا
أحُوْمُ في أوَّلِ حلْمٍ يُنْعِسُكْ
حتّى على ريشي أُنَوِّمكْ
سبحانَ مَنْ كالفُلِّ حلَّاكَ على هيئةِ نَجْمٍ صَوَّرَكْ
سُبْحانَهُ الحزْنُ تَجَلّى كالملاكِ في عينيك يحْرُسُكْ
سبحانه يشاء أن تدورَ أرض العالمين كالفلَكْ
سبحانه كلَّ النجوم بالضوء تغني في عيوننا الغريب كالملكْ
وحين كلُّ نجمة تغيب وحدها عيون أمي لي تغني يا بنيْ ما أجملكْ.
