الثلاثاء ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم حسن لمين

ما الأدب؟ سؤال قديم بروح جديدة

ما الأدب؟

سؤال طرحه جان بول سارتر منذ زمن بعيد، حين سعى إلى تفكيك علاقة الأدب بالعالم، وإبراز دوره في التغيير الاجتماعي والسياسي.

ولكننا، اليوم، بعد أن انقلبت الأزمنة وتبدلت الرؤى، بحاجة إلى أن نعيد طرح السؤال، لا لنكرر إجابات جاهزة، بل لنجس نبض هذا الكائن الحي الذي يدعى الأدب، في عصر متسارع، تتنازعه الأضواء والظلال.

ما الأدب؟

هو أولاً تلك الرغبة العميقة في تحويل التجربة الإنسانية إلى كلمات،

هو محاولة الإمساك باللحظة الهاربة، بالشعور العابر، بالحقيقة المتخفية خلف وقائع الحياة اليومية.

الأدب ليس ترفًا لغويًا ولا زخرفةً للواقع، بل هو حاجة داخلية لمقاومة العدم، وللإعلان بأن الإنسان، مهما صغر أو توارى، له صوت يستحق أن يُسمع.

في تعريفه الكلاسيكي، اعتبر سارتر أن الأدب التزام، وأن الكاتب الحقيقي هو من ينحاز إلى قضايا الإنسان،
من يسعى إلى كشف الزيف وإضاءة العتمات.

غير أن السؤال اليوم بات يتجاوز فكرة الالتزام السياسي أو الاجتماعي إلى التزام أوسع: التزام بالصدق الداخلي، بالبحث عن معنى في عالم يتآكل فيه المعنى.

الأدب، إذن، ليس مجرد أداة لتغيير الخارج، بل هو أيضًا رحلة لتغيير الداخل.

كل قصة تُكتب، كل قصيدة تُنحت من وجع التجربة أو نشوة الحلم، هي شهادة على مقاومة النسيان، على الإصرار أن الإنسان، رغم كل شيء، قادر على أن يحكي.

ولعلّ إعادة طرح السؤال تفرض علينا أن نتساءل:

هل الأدب اليوم، في زمن السرعة والسطحية، لا يزال يحتفظ بقوته السحرية؟

هل الكاتب لا يزال ذاك العابر بين ضفتين: ضفة الواقع القاسي، وضفة الحلم المرهف؟

الإجابة لا تأتي بيقين قاطع.

ولكن كلما فتحت كتابًا صادقًا، كلما قرأت نصًا ينبض بالحياة،

أشعر أن الأدب لا يموت.

قد يخفت صوته أحيانًا، قد يُغيّبه ضجيج العالم، ولكنه دائمًا موجود، كجمر تحت الرماد، ينتظر من ينفخ فيه ليشتعل من جديد.

الأدب هو قدرة اللغة على أن تصبح حياة أخرى.

هو مساحة الحرية التي نعبر إليها عندما تضيق بنا الأزمنة.

هو الذكرى التي تحرسنا من النسيان، والحلم الذي ينقذنا من العدم.

لهذا، لا نعيد طرح السؤال من باب الترف الفكري،

بل لأن كل عصر يحتاج أن يجد تعريفه الخاص للأدب،

أن يصوغ شهادته الجديدة على مغامرة الإنسان في هذا العالم.

وكلما سألنا أنفسنا "ما الأدب؟"، كنا في الحقيقة نسأل:

"ما الإنسان؟"

"ما الحلم؟"

"ما الحاجة إلى البقاء حيّين وسط صقيع العالم؟"

إنها أسئلة لا تنتهي.

ولهذا، كان الأدب وسيظل... أبديًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى