الاثنين ١٤ تموز (يوليو) ٢٠١٤
بقلم هداية شمعون

ليلة واحدة تكفي

الثانية فجرا

قلبي مابين رفح ودير البلح

هرعت إلى جوالي اهاتفها. رن الهاتف.. انا أذرع البيت ذهابا وإيابا ..ياربيارب.. رن الهاتف وقلبي يقفز من خشيته عليها وعلى طفلتها الرضيعة وبناتها وأبنائها الصغار.. رن الهاتف وصرخت ..اجيبي يا أختاه فالخوف بات يقتلني..
أجابت على الطرف الآخر. أنفاسها وصلتني لفحتني .. جلست وهوى قلبى..الحمدللهالحمدللهأنتيبخير.. أنتم على قيد الحياة ..احمدك يارب

أنفاسها وصوتها جاءني وأقدام كثيرة تركض حولها ..

عدت أكرر وسط أنفاسها اللاهثة: هل أنت بخير !! هل أنتم بخير !!

قالت وصوتها المتقطع نعم خرجنا كما نحن بملابس النوم كلنا في ثواني لم نكد نخرج من المنزل المجاور لإحدى الجمعيات الخيرية حتى قصفوها.. دمرها .. انتزعوا صوتنا وأعصابنا وخرج الجيران كأنه يوم الحشر في الشارع.. كلهم يكبر ويقول يارب الله أكبر على الاحتلال .. تهافت الجيران لاستضافتهم ..

قالت: الحجارة تناثرت على بيتنا بالكاد خرجنا شعرت أني سأسقط أرضا وأن الرضيعة ستهوي من يدي، لم أكن أعرف أمسك من.!! عبود الصغير ذو الخمسة أعوام!! أم أخواته أم ابنتي و رضيعها فمن سوء حظها أنها جاءت تلتمس حماية أفضل من بيت زوجها فكان قدرها أن تعيش هذه اللحظات القاسية معنا..

تنهدت وشعرت بارتباكها..تنادي أبناءها بأسمائهم.. أين نسرين وأين تسنيم وأين محمد..!! الحمدلله نحن بخير ..
ودعتها الله وودعتها نفسي وقلت حمدلله على سلامتكم
حمدلله على سلامتكم يا أختاه
***
الخامسة فجرا

صوت الطيران الحربي الإسرائيلي لا يكف عن التحليق والانفجارات تتوالى على الشريط الحدودي.. اتصال يردنا من أصدقاء وجيران هنالك تهديد لتفجير أحد البيوت الملاصقة لبيتهم.. فتحنا بيتنا ..دخل 7 أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 6 سنوات والـ12 سنة وأمهاتهم ورجل سبعيني عايش النكبة وله أشعاره وأقواله لكن الزمن نال من سمعه وقوته، جلسوا في صالون البيت صامتين الصغار تبدو عليهم ملامح الرعب.. الترقب حل ضيفا ثقيلا على رؤوسنا جميعا.. ننتظر جميعا ..

اتصال آخر نجا خالي وعائلته من قصف عنيف لعائلة غنام الملاصقة لبيتهم، مجزرة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي مع سابق الإصرار والترصد القتل العمد، هدوا البيت على رؤوس قاطنيه وهم نيام!! هكذا دون مقدمات دون صراخ دون استغاثة دون رحمة .. دفنوا جميعا تحت الأرض ..!! الفاجعة أكلت شفتاي وابتلعت لساني .. صمتت طويلا كلنا كنا ننظر لبعضنا البعض بصمت ولوعة، لم نفصح عما حدث لأجل الأطفال المرتعبين في بيتنا.. لكن قلبي كان يوجعني كثيرا !! رأيت غالية غنام ذات السبع سنوات وهي ترتب سرير أمها لتختبيء في حضنها من أصوات القصف، وكفاح غنام ذات العشرين عاما وهي تضع ملابس الصلاة جانبا علها تحظى بساعات نوم بعد ليلة عنيفة من القصف والدمار، ورأيت وسام العشرينية وهي تمسح بأصابعها ما تحت عيونها بعد أن نال منه الإرهاق وبات وجهها شاحبا من السهر والقلق، وشعرت بأرواح آخرين تحوم في المكان لكنهم لازالوا يخرجون أجسادهممن الأرض فقد احتضنتهم بعنف !!!

ليلة دامية في رفح .. لم يقف القصف ولم يصمت أكتب كلمة وأهذي بكلمات!! أين نعيش؟ ولماذا هذا الصمت المقيت حيال موتنا !! هل موتنا رخيصا إلى هذا الحد؟ هل حياتنا لا تعني شيئا لأحد !! هل يكفي أن تبكوا وتذرفوا الدموع وتصيبكم غصة في القلب !! أنتم الأمل لتصرخوا عاليا ضد القتل والإرهاب الإسرائيلي.. انتم الأمل لتترجموا آلام هؤلاء وحياتهم التي اختفت بضغطة زر لطيار يعبث في طائرته الحربية كما يعبث طفل مدلل بلعبة باهظة الثمن فيقتل ويدمر وينتقم من أطفال فلسطين..!!

ليلة دامية هذه مشاهدتي لليلة واحدة فقط فهل ستحتملون ليلة أخرى!!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى