للحب.. للحياة.. للإنسان
كان هذا هو عنوان الأمسية التى لم أشاهدها، أمسية جمعت بين الإعلامى زاهى وهبى كشاعر والفنانة الملتزمة مكادى نحاس فى عمان عاصمة الأردن، وهما دون أدنى شك ثنائى يشجع على الحضور والاستمتاع بالشعر والغناء معا، غير أن السبب الكامن فى ترددى بالحضور لم يكن سوى عنونة الأمسية بمفردات الحب، الحياة، الإنسان.
صديقتى التى اعتادت أن تشاركنى هكذا أمسيات اتصلت بى صباحا وكنت لم أقرر بعد، تذرعت لها ولنفسى بأمور كثيرة تعيق مرافقتى لها، وأنا أدرك تماما أنه باستطاعتى أن أذهب لو أردت، أو لو استطعت تنحية مشاعر لم تكن واضحة تجاه المفردات الثلاث التى تبدو على بساطتها ورقتها أشبه ما تكون بأسلحة نعتد بها لمواجهة فائض الكراهية والموت وانتهاك إنسانية الإنسان، لكنها أسلحة قد تيتمنا فى الوقت ذاته، وقد توقظ لدينا مئات الأسئلة المعلقة.
ففى عالم يكتظ بالقتل والتخريب والدمار ويقابله كم أكبر من الإذعان والتخاذل والانسحاب هل يتبقى ثمة مساحة للحلم بالحرية شعرا أو غناء؟ وتحت وطأة علاقات إنسانية لم تعد تحتكم سوى لقوانين المصلحة وتتمركز حول الذات هل يتبقى للحب أو للإنسان مكان؟ لست أدرى. لكن ما أعيه تماما هو أن هذه المفردات كمفاهيم الحق والخير والجمال، التى لم تزل تراوح مكانها منذ الأزل، ولم يزل الواهمون منا يتعاطونها أملا بالتخدير لا بالتحقيق ، فما تحقق منها لا يتعدى حتى اللحظة سوى انسحاب الأغلبية ممن حلموا بها من الساحة بعدما أثبت تاريخ العلاقات الإنسانية وتاريخ الحضارات بأن قانون الغاب هو الأقوى والأبقى، وبأن الغلبة لمن يحفظون هذه القوانين ويجيدون استخدامها عن ظهر قلب.
للحب.. للحياة.. للإنسان، مفردات فى غاية الروعة وأمسية بحسب ما سمعت فى غاية الجمال أيضا، غير أن صديقتى التى نقلت لى مدى جمالية ورومانسية الأمسية كانت قد اختتمت حديثها بشيء من الأسى كمن انتقل للتو من حلم جميل ليرتطم بالواقع: وبعدين؟ "شو ممكن يتغير؟ شو ممكن نغير؟" انتهت الأمسية.
أجبتها: لهذا السبب آثرت معايشة الواقع، وبسبب كل ما تفتحت عليه أذهاننا مبكرا فإننى أعلن "لا" لا لكل المفردات الرقيقة والشفافة، لا للحق ما دام لم يتحقق وما دمنا عاجزين عن تحقيقه، لا للخير ما دمنا لا نتقن سوى التفوه به، لا للجمال والقبح سيد العالم، لكن يتبقى شيء من نعم "لمكادى نحاس" و "لزاهى وهبى" كطيور تغرد خارج السرب وبعيدا عن القطيع والزيف والسطحية والتسليع.