في عمق تصورات المبدع
للشعراء حضور في مسألة التجارب الإنسانية تطغى على مساحة كبيرة من معاناتهم، كتبوا باتجاه صوفي رداؤه إحساسهم العميق، لا عندهم التباسات حين يتجهون صوب المرأة، تطرح قصائدهم ما يعتلي دوافعهم من انجذاب إلى المرأة بصفتها صفة من صفات الجمال في الكون، الشاعر ينتمي إليها بكل وجدانه وحيويته لأنه مدرك للضمير المنتمي داخله، في خلق الإبداع خارج حدود العلة، الشاعرة حين تكتب عن المرأة تجاهد من إيجاد طريق لمكنون وجودها، فتحاكي أنوثتها المستلبة، خطاب الشعراء يختلف عن أي رأي أو خطاب آخر، إنه صوت يأتي من داخل العمق الإنساني، والمتعدد في إحياء قيمة العلاقة الوجودية بعطش مرهف، تجد ذلك في مضمون قصيدتين / الشاعرة مريم المرميثي، والشاعر طارق حربي.
الشاعرة مريم الرميثي، وقصيدتها (يابس الأجفان) /شاعرة إمارتية.
تدمج التضاد في لغتها الشعرية، للمرأة دائماً سلسلة من العذابات، غمدتها الشاعرة مريم صنعة الشعر، أرادت أن تباغت التحرر الذي تريد، خاطبت عمقها تكوينها الأنثوي، متجاوزة تكوينها الجسدي، في ذاتها انفراد اعتلى الإحباط، بفكرة محو الهروب معذبة فيما اختارت، قامت فكرتها على بناء لولب التشظي في داخلها وبقت مصرة، على ما يحمل تمردها من معانقة الجفاف، فكانت قصيدتها، (يابس الأجفان)، الشاعرة مريم الرميثي لغتها الشعرية خرجت من أطراف جوهر نفسها، أمرأة تكتب ومضات لاقطة من ضوء التعايش الإنساني، تؤانس وحدتها ومشاعرها إسقاطات حياة اختارتها كاشفة أعتلاجات نبضها وكم من الصور المندرجة تحت هذا المقدر، بحميمية تُفَصِلْ المعاناة اليومية، بقولها:
مساءُ أعذب من كآبةيعانق وجع ليل طويلخلف قسوة الوقت الرحيلينوء بحمله العمربلا عودةدثرتني الغربة وامتطت الجسد كلهفكان الفراق اختياريحين تقطعت سبل اختياريوخانتني انعكاسات الأشواقوهاجرت أسراب الحب أللاهبة
الشاعرة مريم الرميثي استعملت التنكر المواكب لهالة الاحساسات المتعجرفة، انتابتها الريبة من وحدة العيش في أحلام ما عادت تفك عنها الاسترسال، لذا نجدها، تخاطب ظنونها لشعورها بأن الحياة توقفت، بقولها:
ألوي على نفسٍشردها الحنينوجسد عاشق على هَمسِ مثيريسيج مشاعرهقبل الصعودإلى أرضٍ لا يقطنها عطر وصدى وحبتراك أدركت أن رحيلي مُؤكد!!أم تراني أنا أرحل ويرحل في الهوى قلبي!!اعتباري ارتحالي.....أصداء روح عبرتوما بقي منها احتضنته الأحلامبهدوء ساعة أزف الغياب فيهاسؤال بات يقلقني...هل توقفت ساعتي
إبداع الشاعرة مريم الرميثي، يكمن في نسيج صور اللحظات والحيرة التي تشبه زقزقة عصافير صحت على أثر خراب أصاب عشها، الشاعرة مريم امرأة شديدة الالتصاق بنفسها، ترفض الخضوع أو التنازل، في نفس الوقت تشعر بالحنين والألم، بقولها:
ومتى يجف النهر العاصف؟!
وقد تنفجر من منابع الأرقوعلى شاطئ العيون الغافيةبحثت عن قطرة في مقلتيك فلم أجد!بل استنجدت...... ولكنها لم تأتِوحدها أشلاؤها المبعثرة على الجرح المنسيأحاول أن أكون شيء آخر في كيان تقاسيم الشتات..
الشاعرة مريم الرميثي كان تريد أن تقول، أن العنف لا يقوم اعوجاج، وقولبة الفضيلة، لا بد أن تكون مع التكييف والعمل على الولع في فهم التألق، المتكاثف كالظلال على شفاهها.
الشاعر طارق حربي/ العراق، وقصيدة (على الفرات) و قصيدة (تنتظرين وتنتظرين طويلاً) أوصل مسافات الضمير بكنوز الفن التشكيلي، لم يخترع نظريات أو مذهب، غرف من موج ارجواني أو فضاء النبوءات، وأخذ يتكاسل من فوق ر كبتي الغموض، ناشد التراكم الهائل من نسيم القمر، أجلس على أغصان التفاصيل مساءات الشعر، ترك هواجسه تنزلق إلى النهر، فكانت قصيدة (على الفرات) يُشهِد التألق المنساب على جمال المرأة العراقية، ويدرجها ضمن عوامل نفسية منطلقاً من قسمات وجهها ويحدد أمرأة عراقية، بقوله:
أرى الظلال تكاثفتعلى شفتيكشفتك السفلى على وجه الخصوص!أقصد لُماها ونورها!!مقوسانحاجباك مقوسان يا امرأة عراقيةعلى مجهول ما يلد الكلاموينطلقانكأحسن ما تكون عليهرشاقة الصياد
الشاعر طارق حربي في قصيدته يجد جمال المرأة ساقية تهدر مياهها صافية شتاءً وصيفاً، ربيعاً وخريفاً، تمنح للرائي انبثاق حاسم على الاحتكام في التحول من المتروك والمحمول للمفردة، بامتلاك الحجة في اللغة الشعرية، أدخل الشعر في السالب من السلوك الموجب، نغمات إنسانية وثمة تكنيك جمالي، ميز أحلامه في قوة استمدها من المرأة لما تملك من عطاء، وتدرك مدى هذا العطاء، حتى بالصمت، بقوله:
من الصمتكيف حررت الثلوجبعد دهور من الصمتلا أقول أذبتِما خطَّ الزمان في فقه الوجود
لا تخلو مفردة الشاعر طارق، من دلالة مستوحاة من معاناة المرأة، قد نجد في قصائد الحربي، طابع مميز في النظم أرتكز على الحس العقلي وأطره الرمزية، بقوله:
من ذهب يسيلمن نفط بلاديأنا في الحقيقة مستعدأن أبدد حصتي من نفط بلاديلكي ارضي دلالكغنجك جمالكماذا جنينا من النفطسوى الحروبوالمنافيوالمقابر الجماعية!!؟
الشاعر طارق حربي صهر جمال المضمون بالمنطق المشروط، للمعنى والمادة الشعرية لمعدن يتلخص وجوده بالشقاء، في حياة كل عراقي.
أما قصيدة (تنتظرين وتنتظرين طويلاً) أمعن الشاعر طارق في ظاهرة تحمل خاصية الخروج عن التقليد، محاولاً الهيمنة في التواصل المستمر بعيداً عن أشكال المراوحة في زوايا خانقة يخفت ضوءها في اصطياد الجمالية، فأبدع في تجنب قصيدته الموت والعدائية، لأن المرأة عنده تمثل شروط القوة للوجود الإنساني، بقوله:
يذكر الربيع شمساً لنهديكسقطت وراء سياج!!تشربين خمرة الحب: صبوحها وغبوقهاولا تنتشين!؟إنك تبردين وراء النوافذأيتها الرغباتتهرمين ولا تسلمين
الشاعر حربي، كي يثبت جرأة المرأة، وضع موقفه منها موقف العاشق لفنون براءتها وابرز العلاقة الجمالية بينها وبين ما يحيط بها، من سياسة وسلطة وحياة عامة، اعتنى في قصيدته بالسهل الممتنع، ممتطياً تطور الكدياليكتيكِ، بقوله:
تتكئينكأن غادرتك أمم من العشاققوافلهم مرت خفافاعلى مفرق شعركبقي منهم غباروسمعت من صاح:ليس ريقك عذباًولا بحر يديك زاخراتمدين الأعناق أبواقاورياح الأشواق المطمورةتنفخ وتنفخعلى سالفيك تحثو تراب!
عند التحليل للقصائد، وتذوق الجانب الجمالي في فهم مدلولات اللغة، والتطبيق في المعنى وتقاسم صورة الرمز(المرأة) يعترى التناغم الداخلي عند كلا الشاعرين، مريم الرميثي، والشاعر طارق حربي، وما يشتعل من شك وتنكر للجسد، وحصاد الذكريات التي تركت في أرض الوطن والنفس، واستعادة التقاليد التي تحتفي في رثائها وريائها في زف الخواء الساكن بمعاجم الجسد المتآلبة رغباته في كشف الاحتقار لألوان الحضارة المعجونة بكل ما يسمى بعصر التقدم، والصور الدخانية المنبوذة لها، أخذا لا يستعينان بها بعد أن حملاها معهم في ترحالهم كذكريات، الشاعرين يسكنهما إنسان يريد أن يخلق عوالم جديدة لصور عامرة بالحب وليس بالهم الذاتي والغائر في مؤتلفات الحياة.