الثلاثاء ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم دعاء رشاد محمود عفيفي علي

طوفان الصوت

القصة الفائزة بالقائمة القصيرة في مسابقة ديوان العرب رقم ١١ دورة الصمود، والمقاومة، ٢٠٢٥

لم يطلب فقط رفع الصوت وإنما وضع المذياع على حافة النافذة، نافذتي التي يعمل تحتها ثلاثة عمال بناء، يرددون الأغنية ويهتفون في الفواصل، عظمة على عظمة يا ست

انتبه الجيران إلى ما يحدث فشاركوا، على غير توقع، في الغناء؛ أطفال، مسنون، رجال، نساء، متى عرف الصغار هذا الفن؟
عدت إلى روايتي وقد انتهت الأغنية، لكن الجيران لم يتوقفوا عن الغناء، أغنيات جديدة، قديمة، عالمية، محلية، صوت تضاعف في أذني المرهفتي السمع، أ أنا أتخيل؟

دخلت زوجي إلى غرفتي المحرمة وهي تغني، بتبعها الأطفال، حتى صغراهم، فتاة بعمر العامين، تجاريهم في الغناء بتلعثم لا يؤثر على اللحن.

كلا، هذا جنون!

تناولني زوجي الهاتف ليصعقني صوت أمي المتحشرج بالغناء، بقربها أبي يشدو، بطبقات صوت أعمق لكنها أقصر، أحدث لكما شيء؟

أغنية قديمة حزينة، أهذه دموعي أم دموعهما أم دموع الجوقة تبلل كل شيء؛ المنازل، الشوارع، الحيوانات تخلص أعينهم لبكاء حار، أثار حنينهم إلى شيء مجهول، يبحث عنه أحدهم بين ذراعي أقرب شخص، شجرة، قطة، دمية..

تضحك زوجي ضحكة رقيقة في فاصلة قصيرة بين أغنية لدين مارتن وسيد درويش، أنا هويت وانتهيت

تراقصني، لا أحسن الرقص لكنها تحسن القيادة.

أيفعل الناس مثلنا في الخارج؟

مثل زهرة تنحني في النسيم، تمايلي معي، تمايلي

يفعلونها، بطريقة مناسبة أكثر لأناس مجانين.

وصلت إلى المقهى قبل أن ينتهي الناس، ناس الشارع، البيوت، من الأغنية، فاصلة طويلة قليلا أشعرتني أني مخطئ، لم يحدث شيء غير عادي بالمرة، أنا أتخيل.

ما الإنسان؟ ما لديه؟ إن لم يكن نفسه فهو لا شيء!

قبل أن أنتهي من إلقاء التحية على صديقي المبتسم، بدأت أغنية جديدة بلغة لا أعرفها، ولا يعرفها صديقي لكنه، وصبي القهوجي الأمي، وصاحب المقهى الأخرس، رددوها ببراعة.

يتحسن أداء الناس بمرور الوقت، مما جعلني للحظة أنسى ضيقي وأنصت إليهم مغمض العينين، أحسنتم.
لقد فعلتها بطريقتي

والآن، النهاية قريبة..

ماذا تخشى، مم تقلق؟

تمتلئ دور العبادة والساحات والبيوت بأناس وقوف ركع سجود خشع، صمت عظيم يجمد الهواء ويحبس الأنفاس، تبدأ التراتيل والأناشيد والتسابيح، ويسبح الكون بحمده، أصوات تذوب في أصوات، أجساد تخلص للحياة للحب للروح، تنشد حواسك متحررة من كل إثم، أهذه الحياة أم الحقيقة أم الجنون؟

يعقد مؤتمر تلو آخر، هؤلاء الناس يتجردون من كل شيء..

أصوات أقدم من عمر الحياة، تكتشف في بردية، في ذاكرة، ذاكرة صوت قديم.

تفانيهم في أداء أعمالهم غير مسبوق

الصوت حاكم جديد! سلطان عادل لا يقهر.

مظاهر الهمجية والفوضى امحت تماما، مشهد أصيل.

وطــنُ الـحُـرِّ سَـمًـا لا تُــمْـتَـلَـكْ
والــفــتـى الــحُــرُّ بــأُفْـقِــهِ مَـلَــكْ

قرار تحفظي، لن ينفذ أبدا، اتخذته الحكومة بوقف الغناء، أطلقنا عليه، سخرية، قرار وقف إطلاق الغناء.

فرجال الحكومة أنفسهم يشاركوننا، بأغنيات حماسية ثورية.

وصاح من الشعب صوت طليق، قوي أبي، عريق، عميق..

أوقفوا هذا، أوقفوه

من بمقدوره أن يتوقف الآن؟

بلادي بلادي

مفتوحة كالسماء..

أصوات الطيور، الحيوانات، الطبيعة، تعانق أصواتنا، يذوب الجليد، يرتفع منسوب الحياة مؤيدا، يهطل المطر غزيرا لؤلؤيا كالدمع.

نحصد بينما نغني أغاني الحصاد عند القدماء المصريين، بالهيروغليفية، أنواعا لا نعرفها من النباتات والثمار.

هكذا إذن؟

وأكثر، ألم تسمع باتفاقيات السلام التي عقدت مؤخرا؟

مم يخافون؟ من جنود يغنون، مصر يا أم العجايب، شعبك أصيل والخصم عايب!

إنهم يطلقون الآن على غنائنا، السلاح الجديد، سلاح لا يمكنهم امتلاكه.

الوحوش!

لأجلك يا مدينة الصلاة، أصلي..

يحدث هذا بطريقة طبيعية، ثورة كونية داخلية اندلعت من كيان مقموع مفتون بالحرية، زلزال لا يقاس بالأدوات الحديثة، علم لا يخضع للأبحاث المتقدمة، إيمان، يقين، سلام يعيد التوازن للأرض..

الغضب الساطع آت..

تردد آلي يضغط الهواء، موجات هائلة من حزن وقهر وجنون تنتقل عبر مواد الكون، تخترق دروعهم وحصونهم
من كل طريق، آت..

وإنني أصلي..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى