حكاية قصيدة

قرأت قصيدة صوت صفير البلبل التي نسبت للأصمعي، إمام العربية الفذ وقصة القصيدة أن أبو جعفر المنصور كان قد ضيق على الشعراء حين خلافته، وقد خصص جائزة لمن يقول قصيدة لم يسمعها من قبل ويعطي الشاعر وزنها ذهبا.

وكان الخليفة من شدة ولعه بالشعر يحفظ القصيدة من أول مرة التي تلقى أمامه ولديه في قصره غلام يحفظ القصيدة من المرة الثانية، وأيضا جارية تحفظ القصيدة من المرة الثالثة.

حينها شكوا الشعراء أمرهم إلى الأصمعي، وقيل أنه ألف قصيدة جمع فيها ألفاظا غريبة منها هذه الأبيات:

صوت صفير البلبل
هيج قلبي الثمل
الماء والزهر معا
مع لحظ زهر المقل

ولكن أقف على عدة نقاط في القصيدة التي نسبت لأبي سعيد عبد الملك المشهور بالأصمعي وكان عالما لغويا عربيا وهو من أفضل النحاة البارزين في البصرة.

إن هذه القصيدة ليست للأصمعي ولكن نسبت إليه، وما يؤكد ذلك أن الحاكم المنصور عاش مدة طويلة وحين توفى كان الأصمعي صغيرا في هذا الوقت يطلب العلم، وقد ولد الاصمعي سنة121 هجري، وتولى المنصور الخلافة 136 هجري، وبذلك يكون أدرك عهده في أول شبابه.

وكما ذكر في التاريخ أنه نديم هارون الرشيد ومن حاشيته ويجلس في مجالسه، كما أن الخليفة هارون الرشيد تولى الخلافة بعد وفاة أبو جعفر المنصور.

القصيدة ركيكة مملوة بالأخطاء النحوية لفظا ومعنى، وضياع الوزن وهذا لا يبدر من شاعر معروف مثل الأصمعي.

يقول هذا البيت:

في وسط بستان حلي
بالزهر والسرور لي
والعود دندن دنا لي
والطبل طبطب طب لي
طب طبطب طب طبطب
طب طبطب طبطب لي
والسقف سق سق سق لي
والرقص قد طاب لي.

كما وصفه علماء عصره أنه أكثر
أهل العربية حفظا للشعر، كما أنه عالم في النحو والبلاغة والأنساب وحافظا للشعر، يقول عن نفسه أنه حافظ عشرة آلاف ارجوزة، وقال عنه الأخفش وهو أهم شعراء العصر العباس "ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من الأصمعي"، وحدث عنه الإمام سفيان الثوري إمام الأمة في الفقه "أحفظ الناس" وقال ابن الأنباري يد من غراء في اللغة لا يعرف فيها مثله".
وكان الأصمعي نابغه في اللغة العربية.

وهذا ينفي ما يتداول عن أبو جعفر المنصور أنه أعطى الأصمعي ذهبا بوزن القصيدة التي كتبت على لوح من الرخام، والمعروف أن الخليفة كان حريصا على أموال الدولة ووصف بأنه "الدوانيقي" أي الشخص الذي يستقصي في الحساب والمعاملة، والقصيدة ليست له ذكرت فقط في كتاب إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس للمؤلف محمد الاتليدي.