الوداع .. الشاعر أحمد عنتر مصطفى
بعد صراع مع المرض ودخوله في غيبوبة بأحد المستشفيات المصرية توفى الشاعر أحمد عنتر مصطفى يوم 26 نوفمبر 2025 وقد نعاه اتحاد كتاب مصر والعرب كما نعته وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية المصرية والعربية.
يذكر أن الشاعر أحمد عنتر مصطفى من مواليد عام 1944 في محافظة الجيزة ويوم ولادته كان هناك رجل ينشد سيرة عنترة بن شداد على الربابة فسمعه جده فأطلق على عليه والده اسم عنترة وبعدها خُفف الاسم إلى عنتر
نشأ أحمد فى أسرة بسيطة تضم 5 أشقاء ذكورًا وبنتًا وكان والده رجلًا أميًا لا يقرأ ولا يكتب لكنه كان مثقفًا تلك وكثير الرجوع للأمثال الشعبية والحكم والمواعظ ويشترى صحف الأهرام والأخبار والجمهورية كل صباح ويقرؤها أحمد له ومن هنا بدأ يتحسس معالم الحروف والتقاط صياغة الصحف وتشكيلها للكلمات وأيضا صلاح الشقيق الأكبرلأحمد اشترى جرامافون ومن خلاله كان أحمد يستمع إلى أغنية رباعيات الخيام لكوكب الشرق أم كلثوم فبدأ يفكر فى أبياتها ولاحظ شقيقه أنه يكتب الأبيات على ورقة بيضاء فنهاه عن ذلك وأحضر له الرباعيات كاملة مكتوبة.
هذا بجانب استماعه للبرنامج الإذاعى حديث السهرة الذى كان يستضيف علمًا من أعلام الفكر المصرى مثل محمود عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم من هنا بدأت تتشكل معالم الشاعر أحمد عنتر مصطفى كما لعبت المدرسة دورًا كبيرًا فى نشأة أحمد عنتر مصطفى وكان يكتب موضوعات التعبير بشكل يدهش الأساتذة ومن هنا كانت النصائح تتوالى عليه حول الكتابة وذات مرة سمع قصيدة للشاعر أبو الطيب المتنبى فأسرع إلى المكتبة وكتبها بخط يده وهو الأمر الذى تعود عليه بعد ذلك بجانب كتابة قصائد أمير الشعراء أحمد شوقى حتى إن أمين المكتبة فى المدرسة منحه الديوان الكامل لأمير الشعراء أحمد شوقى هدية
عام 1965 دعا الحبيب بورقيبة الرئيس التونسى للتصالح مع إسرائيل وكان الاتجاه القومى بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر ضد هذه الدعوة فهاجم الحبيب بورقيبة فكتب أحمد عنتر مصطفى قصيدة بعنوان ذاك الحبيب إلى النفاق حبيب وأرسلها إلى جريدة الجمهورية لأنها فى ذلك الوقت كانت تنشر صفحة أدبية كل يوم خميس ويكتب فيها كبار الكتاب مثل سعد مكاوى وغيره وكان المشرف على الصفحة هو بدر الديب شقيق علاء الديب ولكن لم تنشر فقرر أحمد عنتر مصطفى اللجوء إلى حيلة وذلك بأن أرسل القصيدة مرة أخرى موقعة باسمه أحمد عنتر مصطفى وتحت الاسم كتب (طالب تونسى مقيم فى القاهرة) وتم نشرها.
الشاعر أحمد عنتر مصطفى كان يرسل قصائده للنشر فى العراق وسوريا وغيرهما من البلدان العربية وكان المقابل النقدى لنشر هذه القصائد يرسل إليه عن طريق سفارة العراق فى مصر ومن هنا تعرف على فاضل الشاهر الملحق الثقافى بالسفارة وتوطدت الصداقة بينهما وعندما طلبت وزارة الثقافة العراقية من مصر تنظيم أسبوع ثقافى عراقى بهدف حشد المثقفين وتمت الموافقة بالفعل وأقيمت العروض فى شارع شريف بحضور لطيف الحاسم النائب الأول لوزير الثقافة العراقى ومجموعة من الشعراء والمثقفين العراقيين وافتتحت العروض بفيلم القادسية بطولة سعاد حسنى وإخراج صلاح أبوسيف وكان من المقرر أن يقدم الافتتاح جمال الغيطانى لكنه تأخر فجاء الشاعر الأمير معلا وطلب من أحمد عنتر مصطفى تقديم الحفل وبالفعل قدمه وحدث بعد كذلك أن عزموتهم السفارة العراقية وطلبوا من الشاعر أحمد عنتر مصطفى أن يسافر إلى العراق كخبير لتطوير بعض المجلات هناك ولأنه كان معينًا فى هيئة الكتاب ذهب إلى الدكتور عز الدين إسماعيل الذى كان يتولى الهيئة فى ذلك الوقت وطلب منه السفر فلم يوافق فقال له إنه لن يعمل سكرتير تحرير بمجلة فصول مرة أخرى فنقله للعمل كفاحص فى الهيئة فأبلغه بإصراره على السفر وكان السفر للعراق يلزم تعديل بطاقته الشخصية لأن المهنة بها هي موظف فى الهيئة المصرية العامة للكتاب فذهب إلى اتحاد كتاب مصر وطلب خطابًا بأنه مقيد ضمن الاتحاد ككاتب وشاعر وبالفعل استخرج بطاقة جديدة ليكون أول مصرى يكتب فى بطاقته (كاتب وشاعر متفرغ) وبالتالى سمح له بالسفر واستقال من هيئة الكتاب وسافر بالفعل
الشاعر أحمد عنتر مصطفى كتب دراسة كبيرة عن الشاعر نزار قباني اسمها كائنات وترية وأخذ الكاتب سهيل إدريس نسخة منها وأوصلها للشاعر نزار قباني وحين سافر أحمد للعراق حضر نزار ليتم تكريمه فالتقاه وسلم عليه وتذكر دراسته وتحدث عنها معه
أيضا ذات مرة جاء الشاعر الفلسطينى أحمد دحبور إلى مصر وكان يبحث عن أى شخص له علاقة بالشاعر أمل دنقل فذهب إلى مقهى ريش وانتطر هناك والتقاه الشاعر أحمد عنتر مصطفى فطلب منه أن يدبر له مقابلة مع الشاعر أمل دنقل وبالفعل أخذه والتقيا أمل دنقل وظلوا معًا لعدة أيام وبعد سفر أحمد عنتر مصطفى للعراق وأثناء وجوده فى مهرجان مربد الشعرى جاءه أحمد دحبور وقال له إن الشاعر محمود درويش سيأتى إلى المهرجان وبعد أيام جاءه أحمد دحبور وقال له إنه ذاهب لمقابلة محمود درويش فى أحد الفنادق وطلب منه أن يذهب معه وبالفعل تم ذلك وأخبره محمود درويش أنه يحمل معه البن الذى تعده له والدته من رام الله وبعد ذلك تقابل معه أحمد عنتر مصطفى فى معرض القاهرة وفى تونس وفى مرة قال له إنه كان يأخذ راتبًا قدره ألف جنيه فى فترة عمله بجريدة الأهرام فى مصر مبينًا أن محمد حسنين هيكل منحه هذا الراتب لأن محمود درويش اختار المجىء لمصر
بعد رجوع الشاعر أحمد عنتر مصطفى من العراق كان سمير غريب الناقد التشكيلى رئيسًا لصندوق التنمية الثقافية فضمه للصندوق وتم التخطيط معًا لإقامة مركز طلعت حرب الثقافى وبالفعل تحقق ذلك وترأسه الشاعر أحمد عنتر مصطفى ترأسته لمدة 3 سنوات حتى استقال منه فى أواخر عام 1995 وفي يوم من الأيام هاتفه سمير غريب وأبلغه بأن هناك مطلبًا شعبيًا بإقامة متحف لأم كلثوم ثم كانت المقابلة مع الدكتور فاروق حسني وزير الثقافة فاروق حسنى فمنح الشاعر أحمد عنتر مصطفى تأشيرة البدء فى العمل وأصدر قرارًا برجوع أحمد عنتر مصطفى للعمل فى صندوق التنمية الثقافية وكتب فى العقد (رئيس لجنة جمع مقتنيات أم كلثوم) و(مدير متحف أم كلثوم تحت الإنشاء) وبدأ الشاعر أحمد عنتر مصطفى رحلته مع جمع المقتنيات ووجد أن من يعيش من عائلة أم كلثوم هو محمد الدسوقى ابن شقيقتها بجانب الدكتور محمد حسن الحفناوى ابن زوجها ووجد أن كثيرًا من المقتنيات ضاعت وتفرقت ولكنه جمع الكثير وتم إنشاء متحف أم كلثوم وافتتح فى عام 2000 ومن بين هذه المقتنيات كل القصائد التى غنتها مكتوبة بخط يد المؤلفين والتغييرات التى تطرأ عليها سواء من أم كلثوم أو الشعراء أنفسهم وعلى رأسهم أحمد رامى وبيرم التونسى وعبد الفتاح مصطفى ومجموعة من متعلقاتها الشخصية مثل دفتر الشيكات الخاص بها وصور تذاكر حفلاتها
ساهم الشاعر أحمد عنتر مصطفى في إثراء الحياة الثقافية طوال نصف قرن خلال عمله بالثقافة الجماهيرية وبرع بالأدب واللغة العربية وكتب العديد من المقالات النقدية والقصائد الشعرية التي نظم أبياتها بعناية ونشرت في الصحف والمجلات ومن أبرز أعماله : مأساة الوجه الثالث ومرايا الزمن المعتم والذي لا يموت أبدا وأغنيات دافئة على الجليد وحكاية المدائن المعلقة وأبجدية الموت والثورة وغيرها من الأعمال التي أسهمت في إثراء المشهد الشعري العربي وكان لها حضورها الفاعل في الساحة الثقافية وكان أحد أعضاء اتحاد كتاب مصر والعديد من المؤسسات والهيئات الأدبية والثقافية وضمه معجم البابطين للشعراء العرب وحصل على العديد من الجوائز والتقديرات والتكريمات.
