سيّارة «إسلامية»
منذ عشرات القرون يعاني العرب من العجز الصناعي، على عكس نشاطهم الجنسي، فحتى الساعة التي نفخر بأن هارون الرشيد أهداها إلى شارلمان ملك فرنسا، لا وجود لنسلها أمام الساعات السويسرية الفاخرة. وتوقفنا عند المنجنيق فصرنا نستورد خرطوم المياه لفض التظاهرات السلمية، مع أن أنظمة الحكم العربية تفضل استخدام الرصاص المستورد، أيضاً، لقمع شعوبها.
هذا الوهن جعل العرب يستعيضون عن عجز التصنيع من خلال "أسلمة" بعض المنتجات دون بذل مجهود بمقدار حبة من خردل في إنتاجها أو صنعها سوى إضافة مفردة "إسلامي" عليها من بعد نزع أحد المكونات التي إما تتنافى مع الشريعة الإسلامية، أو تتخاصم مع تقاليد المشرقيين.
ثمة منتجات غير قابلة "للأسلمة" لأنها تفقد بذلك صفتها، إلا أن العرب "أسلموها" بما يخلق تناقضاً بين الصفة والموصوف، مثلما نرى في الأسواق "البيرة الإسلامية" أو الحلال، والتي إن لم تكن من إنتاج العرب والمسلمين، فإن منتِجيها يجدون فيها سوقاً مدرة للمال في جيوبهم. آخر الابتكارات هو "الويسكي الحلال" التي ينتجها أشهر مصنّعي الويسكي، ولن يكون ابتياعها في مقدور الكل ما خلا أصحاب الملايين نظراً لسعر الرشفة الواحدة التي تساوي 24 ألف دولار, فلا يمكن أن يكون الويسكي إسلامياً، مثلما لا يمكن تخيل مرقص إسلامي، لأن الرقص له حكمه في الإسلام، ولعل هذا ما ينطبق أيضاً على مايوه السباحة الذي ناله نصيبٌ من "الأسلمة" فبقيت كلمة مايوه وزال شكله.
لا يقف الأمر عند حد هذه المنتجات، فألعاب "الأتاري" التي ليست من ابتكارنا قلدناها بنسخ إسلامية، ورنات الخلوي، الذي ليس من إبداعنا، أسلمناها فجعلناها من آيات القرآن والأدعية بالرغم من الفتاوي الشرعية الصادرة عن أهل الذكر، والتي تحرم استخدامها كرنات للهواتف.
ليس في الكلام اعتراض على أن ينتج أو يصنّع العرب والمسلمون ما لا يتعارض مع معتقداتهم، أو حتى عاداتهم التي يضفي الكثير عليها صفة القداسة، لكن دون إلصاق الصفات الدينية مع اسم المنتج، كي لا نُفهم أننا نضع أنفسنا في "غيتوهات"، ونصنع لملتنا فقط . فالطائرة تُصنّع على أنها طائرة دون القول طائرة مسيحية وهي للجميع، ولم يقل اليابانيون دراجة نارية بوذية، ولم يصف مارك زوكربرغ الفيسبوك بموقع التواصل اليهودي، مثلما حاول البعض استنساخه قائلين أول موقع تواصل اجتماعي إسلامي، أو حتى عربي.
يمكن، إذنْ، أن نُقدّم للعالم منتجات توافق مناهجنا دون إسقاط الصفات الدينية عليها حتى تبدو أنها للعالم جله، وإذا كان لا بد من تقليد بعض الصناعات فلا حاجة للإسقاط عينه لأنه لن ينفي أن ما قلدناه هو من إبداع الآخرين. فلو قلدنا سيارة ووصفناها بأول سيارة إسلامية، ذلك لن يجعلها مختلفة فيصبح مِقوَدها في الكرسي الخلفي، مثلاً، أو تسير على خمس عجلات. الشيء الوحيد الذي قد يختلف هو أن نجعل صوت بوقها نشيداً دينياً أو دعاء حتى نثبت للعالم أنها سيارة إسلامي