
سكرات الحب

الشاعر الهندي محمد معراج عالم: دراسة نقدية
شاعرنا واحد ممن درسوا اللغة العربية، كتب بالفصحي أشعارا نثرية، فهي محاولات جيدة تستحق التقدير؛ تعددت موضوعاته، يميل إلى تكرار الكلمة أكثر من مرة في القصيدة الواحدة، ظنا منه أن هذا يرسخ المعنى في ذهن المتلقي، وإن كان هذا غير مقبول في عالم الشعر بقدر ما هو مقبول في الإعلام.
اختار شاعرنا عنوانا غير متداول ويبدو أنه عنوان يثير التساؤل، سكرات الحب! السكرات كما نعلم هي اللحظات الصعبة عند احتضار الإنسان، ولا ندري سبب اختياره؟ هل الحب لديه لحظات صعبه صاحبته طوال حياته؟ رغم ما به من متعة.
شاعرنا ابتعد تماما عن الشعر المنظوم المقفى ذي الأبيات سواء كان فصيحا أو شعبيا دارجا. هو بحكم دراسته يعرف ما قيل عن الشعر العربي على لسان طباطبا وابن منظور وغيرهما٠ يؤكد الشاعر أنه كتب بالفصحي القليل من الأشعار المنظومة ذات القافية، وكنا نود أن يتضمن ديوانه ولو قصيدة واحدة ذات القافية والوزن والموسيقى الداخلية والخارجية٠ هو لجأ إلى الشعر الحر، هروبا من القيود ورغبة في السير الذي سار فيه من قبله شعراء عرب. والحديث لا يتسع هنا للكلام عن صفات وتقنيات وأساليب الشعر المقفى والحر والمرسل والنثر وقصيدة النثر.
التقنية الفنية في قصائده
شاعرنا أدرك أن النثر لغة مأخوذة من المادة اللغوية نثر.
وصورته الشعرية لا تنسج على نموذج سابق أو مماثل في الموروث البلاغي، لكن تأ تي بنت لحظتها وتأخذ دلالاتها من عالم النص.
النثر عند شاعرنا لغة تخاطب، شكل أدبى خاص به، يستوعب كثيرا من التفاصيل والتجارب الإنسانية، تطير وتأخذنا إلى عالمه.
لجأ إلى استخدم الرمز، مدركا الفرق بين الرمز والأسطورة، الرمز عنده إحياء خصب قابل للتأويل، وهو من خصائص النص الأدبي وليس له قيمة خارج السياق. يتجه أحيانا إلى النثر الفلسفي، لم يلزم نفسه بالزخارف البديعية، له قدرة فائقة على مخاطبة الإنسان بوجه عام. يطوف بنا عبر رحلات جغرافية وتاريخية وسياسية ووطنية
دراسة تحليلية
الديوان ضم ٣١ قصيدة نثرية، دارت حول موضوعات متعددة، العاطفة والحب والعشق، والفتاة بأشكال متنوعة، والشعر، والفراق، والسياسة والوطن، والرثاء.
في قصيدته حبيبه استثنائيه، استخدم الوطن رمزا، تأثر بالقرآن الكريم، يضع رأسه وأنفه على ظهرها، كأنه في حالة سجود تام بخشوع.
يبث غرامه لحبيبته التي يعتبرها الملاذ والمأوى، في قصيدته "كلمة سر.
ومرة أخرى يستخدم الرمز من خلال شخصية كرشنا رمزا للحب والحياة.
استخدم تعبيرا جميلا: صخر الخيال ينحت منه صورة فتاه، وهو عنوان قصيدة.
يستنهض الأمة من خلال مخاطبة قومه، في قصيدته "هبي من نومك".
الحب لديه يشغل مساحة كبيرة، يصفه بأنه حلو وعذب وسعادة ونعمة، يتضح ذلك في قصيدته "ما نسيتك ولن أنساك". و قصيدة " فتاة راهبة" ذات طابع خطابي في رمزه للوطن٠ وفي قصيدته "لاحقا" حوار عاطفي ممتع مع فتاته التي ينشد حضنها ويشتاق إليه.
يكره عالم المصطلحات السياسية، وهي هي بالنسبة له سجون، لا يعشق سوى أيديولوجية العقل في قصيدته "الأيديولوجية". و وقع في حيرة بالغة يخاطب مجهولا وكأنه حقيقة، بطلب من حبيبته البحث عن حبيب غيره! ورغم ذلك لديه أمل في اللقاء ولكن في الجنة مثلما جاء في قصيدته "عودي إلى حيث جئت".
مرة أخرى يخاطب قومه مناديا إياهم ألا يصيحوا، ناصحا بترك الأمور إلى ما هي عليه!، وكأن لسان حاله يقول ليس في الإمكان أبدع مما كان ٠ ولأن حبيبته حمقاء يعاقبها في قصيدته "عطر الحب ". وفي "صلاة المحبة" كم يتمنى التفوق على شعراء عصره، محمود درويش ونزار قباني.
وينتقل بنا إلى لهيب النار حيث غزه التي تحترق، في قصيدته "طيور غز’"، يصف أهلها بالأسود، الشهداء الذين لا يموتون، مقارنة رائعة، ومقابلة بين صوت الحر وصوت الجبان، رغم جمال الكلمات إلا أن الطابع الخطابي قلل من روعة النص.
وفي لمحة إنسانية ، تشهد قصيدته "توجكم تاج المكرمين"، دعوة صادقة إلى تكريم الرموز في وطنه وهم إحياء، وهو ما نفتقده؛ حيث لا نتذكر رموزنا إلا بعد وفاتهم، وربما بعد سنوات طويلة جدا.
قصائد متنوعة: صورة تتحدث ودرة تظهر، وفتاه مثقفة، وزهرة ذات شوكة، التاج محل الثاني، وفتى راهب وموت الحب وإمبراطورية الشعر والحب المكتوم والقلب الأخرس وفتاه استثنائية، وصال، وطعم الفراق، كوكب مجهول، حبل المحبة، حبيب الأمة وعروسة عفيفة، ينتقل بنا من بستان لبستان، ومن مشاعر إلى أخرى..
يطوف بنا في عالم الواقع وعالم الخيال، يرى الحقيقة وهما والوهم حقيقة، يتجول في عالم السماء والكواكب الأخرى مستعرضا أسماءها.
لاشك أنه بذل جهدا طيبا في محاولة لإيجاد موضع قدم في طريق الشعر.
يتمتع بقدر كبير من المعلومات ولديه الحس الوجداني والثقافي، مما يمكنه من أن يتخلص من الإسهاب في شرح مقاصده، ومن الحشو الذي يراه لازما، بينما هو يمثل عبئا على النص.