الجمعة ٣٠ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حوار مع الشّاعر الدّكتور أحمد الجهمي

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف:

شاعر من مواليد اليمن، ومقيم في مصر. دكتوراه في مناهج وطرق تدريس اللغة العربية من كلية التربية بجامعة قناة السويس.

ماجستير في المناهج، تكنولوجيا التعليم، الجامعة الأردنية.

بكالوريوس في التربية، اللغة العربية، جامعة صنعاء.

حائز على العديد من الجوائز منها: ناصر الدين الأسد 2009م الأردن، الجامعة الأردنية المركز الثالث.

المركز الثالث ببرنامج صدى القوافي للشعر الفصيح، تلفزيون اليمن 2014م

جائزة محمود درويش للشعر الحر 2015

جائزة مؤسسة عبدالعزيز البابطين لأفضل قصيدة 2014م.

جائزة الشارقة للإبداع العربي 2015م.

جائزة الإيسيسكو 2022 في وصف عاصمة الثقافة الإسلامية- القاهرة.

جائزة البردة/ المركز الثالث - الشعر الفصيح، 2023م

من مؤلّفاته:

(لاهُدهُدَ اليومْ) و(وجهٌ لقافلةِ الضياع).

حدّثنا عن بداياتك الشّعريّة، وعن أماكن الطّفولة وذكرياتك في موطنك.

في البدء أتقدم بالشكر الجزيل لشخصيتك الراقية أستاذة ميادة، شكرًا لجهودك الساطعة في تسليط الضوء على جوانب مهمة في حياة الأدباء، ونشاط المتميز جدًا أدبيًا وإعلاميًّا، فخورون بكِ دائمًا..

ولدت وعشت في إحدى القرى الجميلة في محافظة صنعاء، وبحكم عمل أهل القرية في الزراعة فقد وجدتني منغمسًا في هدأة وديانها متأملاً جمالها وسابحًا في آفاقها، وفي عمر 13 عامًا بدأت أتمتم بالشعر، غير أنَّي كنت أفتقد للثروة اللغوية اللازمة لكتابة أبيات نص شعري جميل، وهو ما دفعني لاستعارة الكتب الأدبية من المكتبة الوحيدة في القرية آنذاك (مكتبة الجمعية الثقافية) أملاً في زيادة ثروتي اللغوية وتأمل القوافي والصور البيانية وغيرها من التراكيب التي يسعى كلُّ من يود كتابة قصيدة إلى امتلاكها.. وهنا لابدَّ من أن أتقدم بالشكر والعرفان للدكتور عبدالملك الجهمي الذي أسَّس الجمعية وكان له الفضل في إنشاء المكتبة الوحيدة في القرية، التي لولاها ما وجدت بغيتي في الأدب..
يومًا فيومًا امتلكت ما أهفو لامتلاكه، وبدأت في كتابة الشعر الموزون المقفى، ولم ألتحق بالصف الأول الثانوي إلاَّ وأنا أقرأ على بعض زملائي ما كتبت من نصوص.

حفظت أيام طفولتي عشرات القصائد، للمتنبي وأبي القاسم الشابي خاصةً.. حتى انتقلت للجامعة دارسًا اللغة العربية في كلية التربية بجامعة صنعاء، وفيها امتلك المزيد وتعمقت في دراسة الأدب العربي..
ذكريات الطفولة ذكريات منحوتة في القلب، بحلوها ومرِّها، بعبق أفراحها وعلقم أتراحها، أتذكر أنّي تأثرت بصبغة الحزن التي وجدتها في دواوين وأشعار الرومنسيين أمثال أبي القاسم الشابِّي، وما زالت تلك الصبغة تظهر في شعري أحيانا..

ما هوَ عملكَ الأدبيّ الأوّل الذي خرجَ للقرّاء، كيف تمّ استقباله، هل انتابكَ قلقٌ ما؟

عملي الأول كان ديوان "لا هُدهدَ اليوم" الفائز بالمركز الأول لجائزة الشارقة، 2015م، فيه انتقيت آخر ما كتبت من نصوص، واستبعدت الكثير من النصوص التي ما أحببت أن تمثلني، كان استقبال فوزه رائعًا من قبل الأهل والأصدقاء على امتداد الوطن العربي، حينها شعرت بسعادة غامرة كون باكورة أعمالي يحقق النجاح..

ديوانك الثاني (وجهٌ لقافلة الضّياع)، ما نوع قصائده، وهل تسمية الدّيوان لها علاقة بقصيدة السّيّاب (قافلة الضّياع)؟

ديواني (وجهٌ لقافلة الضَّياع) تضمَّن (27) قصيدة عمودية، وليس للديوان أية علاقة بقصيدة السيَّاب، أقول في بداية الديوان:
من أيِّ قارعةٍ أطلُّ ؟!

بلآدي الخضراءُ موحشةٌ
ودربي موحِشُ

بفمي عصافيرٌ تَخذتُ لريِّها
نهرًا سلافيًّا وها هوَ أعطشُ !

أسدلتُ أضلاعيْ على أوجاعِها
كي لا يباغتَها الضَّياعُ المُرعِشُ

ونسيتُ أنِّي – والحقيقةُ مرَّةٌ –
وجعٌ بأعتابِ القصيدةِ مُدهِشُ

فكشفتُ للأحبابِ قلبي قائلًا :
سِيروا على نهرِ البهاءِ وعرِّشُوا

ما كانَ إلاَّ الفقدُ ... كلُّ ربابةٍ
موتٌ إضافيٌّ، وبَينٌ مُجهِشُ

الحزنُ آخرُ ما يفيضُ بهِ امرؤٌ
حرٌ تمازحهُ الحياةُ وتبطشُ

لا شكّ أنّنا نحبّ دولَنا العربيّة، ولكن ألا تشعر بغربة في ابتعادك عن اليمن؟ وما سبب إقامتك في مصر؟

في مصر أعيش وأسرتي كأنِّنا نعيش في اليمن، لا فرق، ولا نشعر إلاَّ بالترحاب الدائم والمشاعر الراقية التي يغمرنا بها شعب مصر العظيم، غير أنَّ الحنين لمراتع الطفولة والأهل والأصدقاء في اليمن يخضرُّ في جواني كثيرًا..

نلتُ الدكتوراه في مصر، وأعيش حاليًا مع أسرتي وأبنائي الذين بدأوا في ارتياد الجامعات المصرية سعداءَ متميزين

ماذا كتبتَ لليمن الحبيب، سواء من وحي الغربة، أو من وجع الحرب؟

كتبت لليمن أغلب نصوصي ممتزجة بنار الحرب ولوعة الحنين للوطن، أقول في إحدى قصائد ديواني الثاني:

أطفأتَ القصيدة
وفتحتُ باب الليلِ ... ثمةَ نجمةٌ
تُرخي جدائلَها عليَّ وتُغدِقُ

تتلمّسُ الأوجاعَ تنشبُ عطرَها
في الأفقِ.. تزهرُ في الأصابعِ ... تُشرقُ

بالأمسِ أشعلني عبيرُ مرورِها
سهوًا ... وكان النِّيلُ فيَّ يُحدّقُ

من أينَ ؟!.. من بلدِ الكرامِ ...
ألم تزل تطوي مدائنَهُ الحروبُ وتُزهِقُ

لا شيءَ إلا الموتُ يرخي ظلَّهُ
فيها ... وداليةُ المآسي تورقُ

أبناؤها نصبوا الخيامَ
فأقبلت ريحٌ على أوتادِهِنَّ تَدَفَّقُ

خلفَ التِّلالِ تضوعُ أغنيةُ الدُّجى
فيمن تركتَ ، وهم بقلبِكَ أشرقوا

أرجوحتانِ من الضَّياعِ، سفينةٌ
مخروقةٌ، قومٌ هنالكَ أُغرِقُوا

لا شيءَ إلا الموتُ ينجبُ تائهًا
عن تائهٍ ، وفمُ الرّياحِ يُصفّقُ

افتح... فتحتُ .. يداكَ ترتجفانِ
ألمحُ بلدةً أطيارُها تتشوَّقُ

هبّ السَّرابُ على التلالِ فأيُّنا
ياليلُ يعصمُ ، والسفينةُ تُخرَقُ ؟!
...
وفتحتُ بابَ الليلِ، ثمَّةَ نجمةٌ
ترنو إليَّ ، وكلُّ شيءٍ مُطبِقُ

يا ليلُ أطفأتَ القصيدةَ ..
كيفَ للشُعراءِ في زمنِ الرَّدى
أن يعشقُوا ؟!

في مسابقة كتارا لشاعر الرّسول ٢٠٢٥، فاز شاعران يمنيّان هما:

(جبر بعداني، ووليد الشّواقبة) والجميل أنّك دعوتَ سابقًا للتّصويت للشّاعر اليمنيّ عبد الواحد عمران. هل انتصار الكلمة، وتكريم مبدعها، يخفّفُ قليلًا من وجعِ الحربِ على اليمن؟

أشعر بسعادة غامرة حين يرفع اسم الوطن مبدعٌ يماني تحمَّل الكثير من آثار الأزمة اليمنية لكنَّه بإصراره أبى إلاَّ التميز، فمبارك للأصدقاء الشعراء الكبار جبر بعداني، ووليد شواقبه، وعبد الواحد عمران، وتكريم هؤلاء المتفردون شعرًا وإبداعًا تكريم يزرع البهجة في زمن الدمار، ويحفز الكثير للمضي قدمًا رغم ما يعيشونه يوميًا من معاناة.

تقول في قصيدة جميلة لمصر:

"يا حاديَ الشِّعرِ خذْ قلبيْ لنادِيها
وانثرْ على الرُّوحِ بعضًا من لآليها"

ما سِرُّ عذوبة هذه القصيدة؟ وهل لها ذكرى عندك؟

من يعيش في مصر يشعر بنقاء شعبها ومشاعره الطيبة، وما قصيدتي في وصف القاهرة إلا ترجمة لما أشعر به تجاه الشعب المصري الجميل الذي يغمرني ويغمر كل المقيمين بمصر بالمحبة والترحاب، إنَّها بلد الأدب والفكر والشهامة والذكريات الاطرة على نيلها وفي شوارعها المعتقبة ببخور التأريخ والحضارة..

كيف ترى دَور الأدب -بمختلف أجناسه- في مواجهة الغزوّ الثّقافيّ الغربيّ؟

الأدب المقاوم أدبٌ عظيم يقف سدًا منيعًا أمام الغزو الفكري والثقافي وغيره، فيها يتحدى الأديب الممارسات الثقافية غير السليمة أكان مصدرها خارجيًا أو داخليًا، وهو دليل على دور الكلمة الجوهري في معاركة أنماط التسلط المتنوعة. لكنِّي أرى بأنَّ ما يشهده المجتمع العربي من مظاهر جهل وضعف في القيم هو أخطر مما يأتي من الغرب، مشكلتنا فينا لا في الغرب.

هل للحداثة نصيبٌ من أشعارك، وهل من أسماء شعراء يمنيّين حداثويّين تحبّ القراءة لهم؟

أسعى في نصوص إلى اقتناص المعنى الجديد والصرة الفنية المبتكرة، والكتابة في مواضيع ندر الكتابة عنها، هذا ما أراه نصيبي من الحداثة، أحبَّ القراءة لكوكبة من شعراء اليمنيين المعاصرين، وهم كُثُر، أمثال الشعراء: عبدالواحد عمران، جبر بعداني، محمد المهدِّي، إبراهيم الأسلمي، وليد لشواقبة، عبدالمجيد التركي، محمد السويدي، حسين المحالبي، عبدالعزيز الزراعي، أحمد عبدالغني الجرف، وغيرهم الكثير.

لا شكّ أنّ مَن كتبَ لليمن الصّامد، سيكتبُ لفلسطينَ المكلومة، نودّ أن يكون مسك الختام بواحدة من درر أشعارك لأهلنا في فلسطين المحتلّة.

خذنـي لغــزَّةَ كـي ألقـى بهـا الوَطـرا
ولا تـدعْ خافقـي فـي الـدَّارِ منفَطِــرا
لبيـتِ حانـونَ خذنـي هامـــةً ويــدًا
عَـلِّي أصـدُّ ضجيـجَ المـوتِ إنْ عَبَـرا
لخـانِ يونـسَ أزجِــي مهجتــي أمـلاً
فـي جنَّـــةِ الخلــدِ أو ألقــاهُ منتصِـرا
لصبيــةٍ يُهـــرَعُونَ الآن ضـــاقَ بهـمْ
صــدرُ المدينـةِ خذنـي منـزِلاً وقِــرى
لبلـدةٍ ظمِئــت فيهـا القِبــابُ .. علـى
قبابِهــــا أتهــــادَى غيمـــةً .. مَطــرا
أهفو إلى المجــدِ منْ شرفاتِهـا سَطَـعتْ
أنــوارُهُ .. فأضــاءَ الرَّمــلَ والبشـرا
أنـا ابـنُ تلكَ الرَّوابـي كلَّمـا هَـدَلَـت
حمامــةٌ بُسِطـتْ روحــي لَهــا شَجَـرا
لا شـيءَ يطفـئُ قنديـلَ الأسـى بدمي
إلا ائتلاقــيَ فــي أجفانِهــــا قَمـــرا
ولا تسلْنــي وليـلُ المــــوتِ معتكــرٌ
أيـنَ العروبــة؟.. قـدْ خلَّفتُهـــا أثــرَا
شطـرَ البطولـةِ والإيمـانِ .. فامضِ بنـا
إلـى مرافــــئِ مـن يتلونَهـــا سُــوَرا
لِشرفـــةٍ قـامَ فيهـــا الفجـــرُ مبتهـلاً
وضِفَّــةٍ بــاتَ عنهـا الــوقتُ منكَسِرا
وساطـــعٍ كلَّمــا مــرَّ الصَّبـــاحُ بــهِ
أومَـى إلـى وجهــهِ الوضَّـاءِ معتـذِرا
حتَّـــامَ تذبُـلُ أهـدابُ الطُّفولــةِ فـي
أرضِ النُّبوءاتِ..كم أفقــًا بها غَدرا؟
وَكم من المـوتِ يكفـي كي يعـودَ إلى
إنسانِـــهِ عالَـمٌ فـي صمتِــهِ قُـبِــرا!
أضـرى من النَّـارِ خذلانُ القريبِ وقدْ
رآكَـ فــي قبضــةِ النِّيــــرانِ محتضـرا
والحــرُّ ينصـرُ مـن يرجــونَ نجدَتَــهُ
سيَّـانِ أن يركــبَ الأمـواجَ أو سَقَــرا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى