

امرأة مـن زجـاج
اعتذر لها عن عدم اصطحابها للخروج معه الليلة ، فردتْ عليه بعينين نائمتين ،
ظلتْ تشعر بنشوة الانتماء إلى هؤلاء الكبار الذين تملأ جباههم شاشات التلفزيون ، حين يعدها باصطحابه لحضور مناسبة الاحتفال بفوز أعضاء الحزب في الانتخابات ، ينبهها إلى ارتداء أغلى ما لديها ، فتضطر إلى التوقف أمام المرآة أطول فترة ممكنة ،
عبر لها عن إعجابه الشديد بقدها المتوازن، كاد أن يضع يديه على ردفيها وهو يحدثها عن هذا الوسط الذي يشتهي ،
ـ أراكِ قد تخيرتِ أنسب لباس للسهرة ،
مررتْ يديها على خاصرتها متراقصة كلهيب نار زندت بنفخ اصطناعي ،
ـ تأخرنا .
يستعجلها ليكون في مقدمة المحتفين بالسيد الرئيس ، حتى أنها نسيت قرط أذنها الأيسر ، في الطريق ، أقنعها بأن القرط المفرد صار موضة ، صدَّقتْه ، تمنَّى لو تسأله كيف أصبح عارفا بموضة النساء ، وهو الذي يقضي طول النهار في الحزب، بعد تحمُّله مسؤولية التنظيم منذ عشرين عاما .
حاولتِ التوسُّط في المقعد الخلفي ، كي تقابل مرآة السائق ، لكنها تذكرتْ تنبيهه إليها بعدم التقاء عينيها بعينه ، افتعلتْ حركة لم ينتبه خلالها لاسْتراق رؤية خاطفة ، فلمحتْ أنه كان يحدق في الجنبات كعادته كلَّما صعدت السيارة ، لا تستطيع أن تمنع نفسها من المقارنة بينهما ، لكنها سرعان ما تلعن الشيطان ، قال الفقيه بأن العين تزني ، صارت تتخوف من تمكُّن الضعف من نفسها كلما التقت العيون ،
بادر إلى التأكيد على اعتذاره ، لكنها لم تشعر بحاجة إلى السؤال أو الاستفسار ،
في البداية ، كانتْ تتلهف لدعوتها إلى حفلات الاستقبال تلك ، اكتشفتْ أنها تبقى في المواقع الخلفية ، لا تنفعها زينة لباس ولا جمال بشرة ، ولا حتى قدها الذي طالما تباهى به دون تصريح بين ضيوفه في البيت ،
ـ هل ستكون جلسة الليلة رجولية ؟
أحس كأنها تلمح لفضيحة السنة الماضية ، حين تم ضبط أحد الإخوان متلبسا في خلوة ذكورية ، فرد عليها بصوت خافت :
ـ الليلة ، سيقرر الحزب في شأن تزكية المترشحين للثلث المتبقي،
لم ينتظر تعليقاً منها ، تمنى فقط لو أنها تتحاشى طلب عودة السائق لأخذها إلى بيت العائلة ، في كل مرة , يكاد يبادر للسؤال عن وجهة زوجته في غيابه ، لولا أن كبرياءه يمنعه ، يكفي أن هذا السائق اللعين ، ينفث في جسده نظرات الحقد على النعمة التي هو فيها ، كيف يضيف إليه سلاحا آخر يقتله به ؟
لو أنه كان يملك سلطة القرار ، لكان قد طرده ، ولكنه يعمل لديه بتوصية " الحاج "،
أحيانا يتخيل أنه مفروض عليه ، لماذا لا يكون مكلفا بالتجسس علي ؟
لم تردَّ على اعتذاره ، قامت في اتجاه الغرفة المجاورة ، تابع مِشيتها،
أطل رأس الطفل ، تاركا خلفه السائق الذي كان ينجز معه بعض تمارين الرياضيات ،
كم كان يشعر بالامتعاض من حصة المراجعة الليلية ، بينما كانت تنفرج أساريرها لإطلالة ابنها، وهو يهلُّ فرحا بنجاحه في إنجاز ما استعصى عليه في حصة الفصل الدراسي .