الكسوف
كيئتشرو هيرانو روائي ياباني يبلغ من العمر 30 عاماً. نشر أول رواياته "الكسوف" منذ 7 سنوات وهو مازال طالباً في العام النهائي من كلية الحقوق بجامعة كيوتو اليابانية. نالت الرواية ثاني أكبر الجوائز اليابانية في
الأدب في العام التالي وهو عام 1999 التي تسمى جائزة "أكتاغاوا شو".
وأثارت الرواية جدلاً كبيراً في
الأوساط الأدبية اليابانية لعدة أسباب، أولها أن الكاتب رغم أنها أول رواية له، ورغم أنه مازال طالباً جامعياً
حصل بها على هذه الجائزة العريقة في اليابان. وثاني الأسباب هو موضوع الرواية، فالرواية ليس لها أي علاقة
من قريب أو من بعيد باليابان، أحداثها تدور في أوربا آبان عصور الظلام ومحاكم التفتيش، وتحكي عن تسلط
الكنيسة على مقدرات الأمور في آواخر القرن الخامس عشر. ثالث أسباب حصول الرواية على الإهتمام الكبير
من المختصين وغير المختصين هو طريقة كتابتها.
فهذا الشاب الذي لم يتخرج بعد من الجامعة، يكتب عن الصراع الفكري الذي دار في أوروبا أثناء العصور
الوسطى، مستخدماً اللغة اليابانية التي كانت تستخدم في نفس العصر تقريباً!!
أي إنه إستخدم الكلمات والمصطلحات القديمة جداً التي لم يعد يُستخدم أغلبها الآن في كتابة اللغة اليابانية.
لذلك لا يستطيع القارئ العادي، بل والمتخصص قراءتها دون الاستعانة بالمعاجم والقواميس التي تشرح معنى وطريقة قراءة كلمات الرواية. وقيل أن بعض أعضاء اللجنة التي قررت منح الرواية جائزة "أكتاغاوا شو" لم
يستطع قراءتها دون العودة إلى المعجم من حين إلى أخر.
تقع الرواية في 189 صفحة من القطع المتوسط، وصدرت لأول مرة في أكتوبر عام 1998 عن دار "شين تشو
للنشر".
تبدء الرواية بمقدمة "إبيلوغ" عبارة عن سطر اقتبسه المؤلف من "لاكتانتيوس" يقول فيه :
< لقد طرد الله الإنسان من الجنة، وحتى لا يعود لها ثانيةً أحاطها بجهنم >
يقول أحد النقاد اليابانيون إن هذه العبارة هي خُلاصة ما يريد هيرانو إبلاغه من هذه الرواية.
تدور الرواية على لسان ضمير المتكلم، وهو هنا بطل الرواية القس نيقولا طالب علم اللاهوت في جامعة باريس
على شكل مذكرات يكتبها بعد فترة من إنتهاء أحداثها.
ويخصص البطل أول صفحات المذكرات في كتابة شرح لها يقول فيه:
< سأبدء من الآن في تسجيل ذكريات ذاتية، أو الأصح أن نطلق عليها اسم اعترافات. ولأجل كونها اعترافات،
فقد أخذت عهداً على نفسي ألا أكذب، وأن أقول الحقيقة فقط ، في البداية أقسم باسم الرب على ذلك.
ثم يشرح أن سبب إعلانه هذا العهد هو خوفه من عدم تصديق قراءه له، لما تحتويه المذكرات من أحداث غير
معقولة. وخوفه أيضاً من النفس الأمارة بالسوء أن تجنح إلى الكذب، أو إلى الخيال لإكمال ما لم يتم في الواقع.
أو أن تجنح إلى إخفاء ما لا ينبغي إخفاءه.
ثم بعد ذلك يبدء في تسجيل وقائع حدثت له أثناء رحلته من مدينة باريس إلى مدينة ليون في بداية عام 1482
للحصول على أحد الكتب التي كانت نادرة في ذلك الوقت. وبعد وصوله إلى ليون يقابل أسقف المدينة الذي
يقترح عليه الذهاب إلى مدينة فلورانسا، لا لكي يحصل على الكتاب المذكور فالأسقف نفسه معه نسخة من
الكتاب، ومستعد لإعطاءه إياها، ولكن لكي يشاهد على أرض الواقع ما يحدث في تلك الأرض التي يقول عنها:
< يوجد في جنوب جبال الألب عالم يختلف تماماً عن عالمنا، قولي هذا ربما يوحي أنه عالم سحري ورائع،
لكنني لست متأكداً من كونه عالماً جيداً أم على العكس عالماً سيئاً. ولا استطيع القول ببساطة، هل جبال الألب هي حصن يحمي عالمنا، أم هي حامية تحرس ذلك العالم الجديد. لذلك أريدك أن تذهب إليها، وتتأكد من ذلك
بنفسك .
ثم يقترح عليه أيضاً أن يعرج في طريقه على قرية صغيرة قريبة من مدينة ليون، يوجد بها رجلٌ يسمى بيير
يحاول صناعة الذهب الخالص مستخدماً العلوم الحديثة من كيمياء وفيزياء، ويدعوه لمقابلته للتعرف عليه وعلى
التجارب التي يقوم بها. فيذهب نيقولا بالفعل إلى القرية التي يبقى فيها إلى نهاية الرواية تقريباً.
هذا هو الإطار العام للرواية التي تمتلئ بنقاشات عديدة عن الفلسفة واللاهوت والعلوم الحديثة. وتبرز الرواية
الصراعات التي كانت دائرة على أشدها بين المتزمتين أنصار الكنيسة، وبين أصحاب العقول المتحررة الذين
يحاولون الأخذ من العلم بما لا يتعارض مع الدين. وتحكي كيف حوّل أنصار التخلف الصراع الفكري إلى وجهة
أخرى هي صيد الساحرات، ومحاكم التفتيش، وإطلاق تهمة الهرطقة على كل من يخالفهم في الرأي حتي لو
كان عالماً لاهوتياً كبيراً.
اللافت للنظر في الرواية أن الكاتب يقرر ولكن بطريق غير مباشرة أن الأفكار العلمية المتحررة وفلسفة اليونان
القديمة، إنتقلت إلى الغرب عن طريق المسلمين. بدليل ذكره لمدينة فلورانسا وإنتشار الآراء المستنيرة فيها بسبب
قربها من البلاد الإسلامية، وإزدهار التجارة بينها وبين دول شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط.
وكذلك ذكره أيضاً لإبن رشد وتأثيره على الفكر الأوروبي بوجه عام، إلى حد أن تكون هناك طائفة علمية يطلق
عليها إسم "الرشديين". وذكره أن بيير عالم الكيمياء في القرية النائية، الذي يحاول صناعة الذهب الخالص يعتمد
ضمن مؤلفات عدة على كتاب "الكيمياء" لجابر بن حيان. إلى غير ذلك من الشواهد التي لا يتم التركيز عليها
وإنما تُذكر بشكلٍ عابرٍ.
تنتهي الرواية بالقبض على بيير عالم الكيمياء، الذي يعتبر بطل الرواية الحقيقي، بتهمة الزندقة وممارسة السحر
الأسود. في حين يعود نيقولا إلى عمله في السلك اللاهوتي بعد أن يحصل على جميع كتب بيير بناء على
وصية الأخير. ثم بعد ثلاثون عاماً يبدء نيقولا في إتمام ما بدءه بيير من تجارب كيميائية بعدما علم بطريق
الصدفة أن بيير قد مات بعد القبض عليه مباشرةً أثناء التحقيقات التي جرت معه.