

الذي قد أتى قد غبر
رحَلتَ غريبا وكنتَ غريبْ | فيا ويح نفسي وويح الحُفَرْ |
تراك ستلقى أنيسا بها | فتنسيك ما كان عند البشرْ |
تراك تُسَر بذاك الهجوع | وتؤنِسُ ذاك الثرى والحجرْ |
اذا ما نُقِلتَ لكون جديد | تُرَى سوف يحلو هناك القدرْ |
حزين عليك حزين حزين | ولكن أتى يومك المنتظرْ |
رحلتَ كئيبا وكنتَ كئيب | أحَيَّا ومَيْتا تُحِبُ الكَدَرْ |
فيا صاح مالك لا تنتهي | شرابك مرٌ ويغدو أَمَرْ |
لماذا رحلت تراك سئمتْ | حياة الظلامِ فَرُمت السفرْ |
أثرت شجوني بذاك الرحيل | ولكن رحيلك فيه العِبَرْ |
لمن كان يملك قلبا يَرَى | وكان نقي الأنا والفِكَرْ |
فإياكِ يا نفسُ أن تغفلي | ففي أي حين ستمسي خَبَرْ |
كأنكِ ما ذُقتِ فيها الشقا | ولم تنعمِِ بلذيذ السمرْ |
عليكِ قبول القضا والقدر | وأن الذي قد أتى قد غَبَرْ |
وأن الحياة كريح أتت | وأن الفنا كهطول المطرْ |
وبين الوجود وبين الردى | جسور عليها الجميع عبرْ |
وما القبر الا ضفافا لنا | اليه الرحيلُ هو المستقرْ |
فلا تشغلنك هذي القشور | ولا تأسِرَنَّكِ هذي الصورْ |
فكل الذي قد ترينَ هنا | سيبقى ليلهي نفوسا أُخَرْ |
فلا تطمعي أن تنالي الكثير | ولا تبحري كي تنالي الوطرْ |
وإن جاء خير اليكِ خذيه | وكوني كقلبي لضُر صبرْ |
وعيشي كفافا بثوب العفاف | فتلك خصال لعبد شكرْ |
فعما قريب ستدنو الضفاف | وزادك ليس كثير الثمرْ |
سلي صاحبي لو له أن يجيب | أليس وحيدا فأين الزمرْ |
وأين الذين قضى قربهم | جميل الحياةِ وشر العمرْ |
فهل من مجيب وهل من أنيس! | وهل من حبيب يزيل الضجرْ |
سلي صاحبي هل أجاب الصغير | إذا ما ينادي أبي ما الخبرْ |
وأين وعودا قطعت أبي | وأين حنانك أين انحسرْ |
تراهُ أجاب الصغير ترى | وربِ السماءِ فؤادي انفطرْ |
رحلت ضليلا وكنت ضليل | وكان الردى يقفو منك الأثرْ |
سمعتَ أيا صاحُ لحن الردى وكل سيسمع ذاك الوترْ |