في رثاء أستاذي
الجليل أحمد جلال
| أعودُ إليك، يغشاني البكاءُ | وهذا الشعر يأسِرُه الرثاء |
| وتفضحني الدموعُ عليك حُزناً | فأسألُها، أليسَ لكِ انتهاء؟؟ |
| لماذا كان إنْ أحببتُ شخصاً | بتلكَ الأرضِ أهلَكَه الفناء |
| أنِ انقَطَعَتْ عن الأسبابِ صُرْفٌ | تفرِّقنا، وليسَ بها رجاء؟؟ |
| وكنتَ اليومَ في أرضٍ، وإني | أكونُ اليومَ في أخرى أُناءُ |
| فَيَا وَجَعَ الضُروبِ عليك لمّا | بحورُ الشعر غادرها البناء |
| ويا وَجَعَ المجالس إذ تَغيب | عن الأبصار يَحْجُبك الخَفَاء |
| وما جَزَعي عليك سوى افتقاري | إلى دنياك طاب بها البقاء |
| أيا بحرَ العلوم بما احتواه | ونورُ الله كان له السناء |
| كأنّ العلم كان له الغذاءُ | بِمَحفله، وكان له الكساء |
| وأنّ الشمسَ قد أهدته نوراً | أو البدرَ اصطفته لها السماءُ |
| وألبَسَه بديعُ النظم تاجاً | تُرى، عجباً!!، بصيرتُه تُضاء |
| ربيعَ المجلِس الشادي دروساً | وحقلَ الفكرِ أرْبَاه النماء |
| أتعجبُ من بكاء البحر لمّا | تلاشى عن عوارضه الضياء؟! |
| فناجى الهمَّ موجتَه ولكنْ | بها سَكَنٌ يغادره الهواء |
| كأنك لستَ تدري ما مصابي | وما في وحشتي سَأِمَ المساء |
| بلى تدري، طبيبَ الروح لكنْ | رحلتَ وغار في يدك الدواء |
| فأصْغِ الآن، إذ يُلقى افتراءً | على سمعي تلاطمه المِراء |
| يقولُ الصحب لم أحفظْ عهودي | ولم أحُسِنْ بما حَسُنَ الوفاء |
| وأهجرُ منك أسبابَ التلاقي | وأخبُو حين يَحْضُرك الثناء |
| وكم جنحوا عليَّ بذاك حتى | لَعَمْري قِيْلَ: (هذا هو الجزاءُ؟!) |
| أينسى الشمعُ من أذكاه نوراً | وينسى الوردُ ما حَمَلَ السناء؟! |
| وما كل التقوّلِ كان صِدقاً | ولكنْ صِدْقُ ما نطق البكاء |
| فمعذرتي الغيابَ، تُرى أمثلي | يغيبُ إذا أقيم لك العزاء؟! |
| بحقِّ الله معذرةً فحسبي | بِطولِ البُعد أوْحَشَني استياء |
| وأحداثٌ تقاذَفَها اضطهاد | وأهوال يُسَيّرُها البلاء |
| وبين النفس والغايات جَهْدٌ | وبين الكاف والنون القضاء |
| أعود إليك أستاذي بذكرى | إلى عِقدين ناغَهُما الزهاء |
| أعود إليك ما هَمَلتْ عيوني | وأنطقُ ما به نَطَق الوفاء: |
| إذا ما الأمسُ يَطويك اندثاراً | يشبُّ الإثرَ من غَدِكَ العلاءُ |
