الخميس ٨ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم ماجد عاطف

أبو نمل

وصله ما وصل الآخرين، فهرع بسرعة. كانت الطرق، في الطريق، مفتوحة والجميع يهرع لينفذّ أحلامه أو ليخترق جدران الحصار. المقاتلون والمركبات، سبقا، والشباب يلحقون، كل بنفسه.

هو لم يكن مكترثا. انتقى شارعا بعد قاعدة الاسمنت والدبابات وتسلّل وحده. لم يكن هنالك من يتبعه. مزارع وحمضيات. اقترب من شبك لم تعد تحميه الكهرباء. ثنى شاهد إصبعه وبالزواية المتشكلة من الخارج اختبر التيار.

لا شيء.

فتّش وفتّش في الزوايا المجاورة. عاد إلى الخلف، إلى الآخرين، الذين يحرقون الدوريات ووجد في شباكِ حراسةٍ قضيباً منتزعا. أخذه وعاد حيثما كان، حيث الشبك.

ادخل طرفه ولوى وانتزع. اخترق -أفقاً وعامودا- حتى فتح لجسمه كوة مناسبة، ثم ولج.

اندفع بجسمه كله كشيء وسط الأرض المحروثة جيدا. إلى الشمال مستودع ما لكيبوتس الغرباء والعمال الأجانب. يمينا كيبوتس للحقل البيارة التي ولج إليها.

تذكّر جدته التي دفنها منذ شهور. كان يود دفنها في البيت داخل المخيم، لكنه لم يجد إلا دفنها مع الآخرين الذين سبقوها إلى مقبرة ليست بعيدة الأمد.

أسفل الساق العريضة اللدنة الخضراء للشجرة الأولى التي واجهته، كان تراب ناعم أحمر ودقيق. في الفوضى المنسابة كالتي تحيط ببيت النمل رأى نفسه. أحاديث وأحاديث، في الوجه المجهد الصابر المتبسّم لجدته، كانت تجمعه.

توقه كان خارج كل الترتيبات الممكنة لتوزيعة الثورة والمقاتلين. الأوراق التي تميل للاصفرار وهو يرتفع بنظره إلى الأعلى، تشبه سقف البيت في المخيم. كانت صليات من الأرجاء تصل أذنيه. إنه أكثر من غريب وأقل من وحيد.

انتقل إلى الأشجار الأخرى. حديثة ومنظمة كأكاديميا مفروضة. أصوات العمال الأجانب تتعالى وهي تتسرب بعيدا من أصوات أخرى تلاحقها.

من بين قطوف الموز في انتشار الأشجار لأعلى، تتصاعد سحابات صغيرة لحرائق ذات مواد صناعية. إنها سحابات سوداء. من السماء كانت هنالك أصوات خطايا وأخرى دقيقة كرفّات الحمام.

كان له ثأره الخاص. في أتربة تتوزع كالمستطيلات المثلومة، رأى أريحا التي مرّ منها وتهرّب من بلد إلى آخر حتى تسلل من الأنفاق. ترك بيارات الأجرة اليومية والمؤسسات وأرباب التجارة.

جدته ماتت مسممة بأدوية العيادة للمستشفى ذي الغطاء.

استعاد بيارات أخرى أقل ارتفاعا وأكثر لونا، محروثة بالدواب التي تطل على حقول بألغام قديمة. لمح قطفا يتدلى من بين القطوف وكان كبير الحجم يتدلّى. يمكنه أن يتخيل سكينا طويل النصل ليسقطه، ولكنه يفضل أن يتسلّق ويكسر الفرع أسفل القطف بيده المتحررة. فعل ذلك بكثير من العناء، وتنزّل ببطءٍ وتراجعٍ إلى الأسفل.

كان القطف ثقيلا طويل الثمرات متحدة. في ذاكرته صعودٌ أيسر ونزول، وقطوفٌ أقل وزنا.

وقع على جدته مرّة وبعد ال.. آخ انطلقت دعابات، وضحكةُ وجهها ملوّحِ اللونِ بالثوب الأسود، إلى جانب الحقل الملغّم ذي جماجم التحذير على مثلثات حمراء.

في يدها قطف موز "أبو نمل" يُنقل ليتخمر. يضيء لون القشر إلى أصفرَ نَمِلٍ فاقه سارّ مع بقع ذات نمش، قابل للأكل فورا أو للتجفيف، وإلى ذلك يدفع السرطانات الحديثة.

يسارُه ثقيل والعودة معروفة الدرب والطريق.

يعلو اشتباك هنا، وهناك ثمة أسرى من دون سلاسل؛ ولقليل من الوقت عادت أرضا بلا جدران أو شِباكٍ بأعمدة.

ليس القطف الذي يحمله حين يصغر سيئا جداً، لكنه شيء استعادة بالقوة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى