

يهود اليمن وأهل فلسطين
مساء الأربعاء المنصرم (24/1/2007) تابعت برنامج قناة الجزيرة: هذا المساء، والتفت أكثر ما التفت إلى الفقرة التي تخص يهود صعدة في اليمن. عرفت أن جماعة الحوفي هناك، وهي على خلاف مع الحكومة، قد هددت هؤلاء وطلبت منهم أن يغادروا اليمن، بحجة أنهم عملاء لدولة إسرائيل، وخاف هؤلاء وتركوا قريتهم، وأقاموا في فندق تابع للدولة اليمنية. وقد حاولت إسرائيل التدخل في الأمر، وهذا ما أرق الحكومة اليمنية، لأنها رأت الأمر شأناً داخلياً يمنياً تحاول إسرائيل استغلاله لصالحها.
ويشعر يهود صعدة أنهم يمنيون أولاً، لأنهم عاشوا هناك منذ آلاف السنين، وربما لا يميزهم عن اليمنيين، لوناً وشكلاً، إلا سوالف شعرهم المدلاة. وأشك في أن أحداً قادر على أن يميز النسوة اللاتي شاهدناهم على شاشة فضائية الجزيرة وبين يمنيات مسلمات أو مسيحيات. اللون هو نفسه، والسحنة هي نفسها، واللغة هي نفسها، وقد تركت طبيعة اليمن أثرها عليهم، بالمقدار نفسه الذي تركته على بقية سكانها. كأنهم قطعة من جبال ذلك الوطن.
ولا أدري لماذا تعاطفت معهم؟ الأنهم عرب أولاً؟ أم لأنهم أقلية ثانياً؟ أم لأنهم سيقتلعون من وطنهم، كما اقتلع أهلي من مدينتهم في العام 1948 ثالثاً؟ أم لأنهم فقراء، وهذا ما بدا عليهم، رابعاً؟ وربما شتمت بعض الأنظمة العربية التي كانت تحكم في العام 1948 وما بعده بقليل، لأنها أسهمت في ترحيل اليهود العرب إلى فلسطين. وسأتذكر ما قاله الروائي اللبناني إلياس خوري في برنامج زيارة خاصة الذي بثته الجزيرة في كانون ثاني من العام الحالي(2007). قال إلياس: كان يفترض أن يظل هؤلاء في البلدان العربية، حتى تعرف هذه معنى التعدد.
ويذكر قوله هذا بقول مفكر عالمي – أظنه سارتر، ذهب إلى أن اليهود ينبغي ألا يبادوا أو ينقرضوا، لأنهم فولكلور. وقد أتى إلياس، في بعض رواياته، " مملكة الغرباء " و " باب الشمس "، على يهود لبنانيين هاجروا إلى إسرائيل، وشعروا هناك بغربة فظيعة، وتمنوا العودة إلى لبنان. وحين رأيت يهود صعدة قلت: أية غربة سيشعر بها هؤلاء حين يقيمون في المنافي، حتى لو كانت دولة إسرائيل منها؟
ولا أدري شيئاً الآن، عن أحوال يهود اليمن في دولة إسرائيل. ولا أدري بما يشعر الجيل الذي ولد في الدولة. لقد قرأت في القصص والروايات والرسائل التي أنجزها أدباء فلسطينيون وعالميون عن يهود في إسرائيل. وربما أتى كتاب عرب يهود، مثل سامي ميخائيل وشمعون بلاص، في رواياتهم على يهود اليمن، كما أتوا على يهود العراق. ربما. وسأتذكر ما كتبه القاص غريب عسقلاني في قصته الجوع عن هؤلاء. وقصة الجوع نشرت غير مرة، في غير كتاب، ونقلت إلى الانجليزية والألمانية ولا أدري إن نقلت إلى العبرية، وقد حققت لكاتبها شهرة، لأنها تبرز صورة للذات الفلسطينية وعلاقتها بالآخر اليهودي.
يتعاطف غريب عسقلاني، من خلال بطله الفلسطيني، وهو غزي ثوري غدا عاملاً في إسرائيل، مع عزرا اليهودي اليمني الذي يعمل في البناء مع عمال عرب لدى المقاول اليهودي العربي ( شلومو ). ويغدو هؤلاء العمال ضحية للرأسمالية الإسرائيلية. ( عزرا ) فقير مظلوم مضطهد يشعر أنه يمني أكثر مما يشعر أنه إسرائيلي، فالدولة، في بداياتها، كانت تنظر إليه على أنه مواطن من الدرجة الثانية. وربما لم يختلف حال اليهود العرب إلا بعد هزيمة العام 1967، حيث غدا عمال الضفة والقطاع في قاع السلم الاجتماعي في فلسطين التاريخية.
الصورة التي أبرزها غريب عسقلاني لليهود اليمني تجد صورة مشابهة لها، لدرجة كبيرة، في رواية الكاتب الروسي ( يوري كولسنيكوف ): " أرض الميعاد ". لقد قرأت، مؤخراً، هذه الرواية التي صدرت طبعتها العربية عن دار التقدم في موسكو في العام 1979، ونقلها إلى العربية أبو بكر يوسف، ولاحظت أن عزرا اليهودي اليمني فيها لا تختلف حياته عن حياة عزرا في قصة غريب عسقلاني. وتساءلت أهو توارد خواطر أم أن الكتابة تتشابه حين يكتب اثنان، في فترة قريبة، عن واقع واحد؟ ( تشابه الكتابة عن تشابه التجربة ).
عزرا في " أرض الميعاد " يهودي نقل إلى فلسطين، وعاش في القرى التعاونية اليهودية حياة بائسة. وظل اليهود الغربيون ينظرون إليه على أنه اليهودي الذليل. لم ير في فلسطين ما وُعد به. لم ير فيها جنة الله على الأرض، وكان مصيره الموت.
وسأتذكر، وأنا أشاهد البرنامج الذي بثته قناة الجزيرة، قرية محمود درويش " البروة " التي أتى عليها في كتاباته، وأتى على ما ألم بها. لقد هدمت هذه بالكامل، وأقام الصهيونيون على أنقاضها مستوطنة " يتسعور " وظل والد درويش، وهو على قيد الحياة، يتحسر، وهو يرى راعياً يمنياً يقيم فيها. وقد أورد هذا في رسائله إلى سميح القاسم (ص46). وربما تساءلت: إن رحل يهود صعدة إلى فلسطين، فهل سيقيمون في بيت عربي! ولعلني أخاطب الحوفي وحكام اليمن: ابقوهم في بلادهم، فنحن من يدفع الثمن!!