العزمُ يَصدُقُ ما في النفس من طَلَب |
سَلْ فيه عـاقده عن ثورة العُرُب |
عن ذلك الشعب يطوي الأرض معتصِماً |
والنصر بُغيَتَه في كلِّ مُطَّلَب |
شُمُّ العرانينِ ما ترقى عزائمهم |
كانوا لها الأهلَ بل من خيرة القُرُب |
كانوا العَوانَ إذا يُسراهُمُ انقبَضتْ |
يُمنـاهم انبسطتْ فيَّاضةَ الرَّبَبِ |
في زحمة البأس والأهوال تكنَفهم |
من عصفها العصفُ ما دارت بِمُنقلَب |
شَدُوا الوثاق فما اهتزت ضمائرهم |
أو جاسها الرَوْعُ ما في الروع من حَرَبِ |
أو أسلمـوا الأمر للأيـام قادمةً |
حتى تَعَمَّ خـراباً، فوق ذا خَرَبِ |
ما صِنعةُ الفذِّ مأمولاً يطيب به |
أحلى وأجمل من أفذاذها النُجُبِ |
هم الأسـودُ إذا عرَّفتَهم فلَهُـم |
ما للأسود طباعُ الظفْر والغَلَب |
إن أشعلوا الأرضَ من ثُوارهم حمماً |
أيديهمُ انتفضت حَمَّالةَ اللهب |
ما استَرْوَحُوا الجَهد حتى شَدّهم وَثَبٌ |
نَهَدوا به في سُرعةِ الشُهُب |
حتى يقولَ منادٍ قَيلَ عنترةٍ: |
أقْدِمْ لها الآن، تلكتْ حَظْوَ مَنْ يُجِبِ |
هي ساعةُ النصر حان اليوم موعدها |
لمّا توحّد شملُ العُرْب في القُطُب |
لم تحجبِ الشمس عنهم من أشعتها |
بل جادت الشمسُ فيهم ضِعْفَ ما تَهَبِ |
حيناً تفيّأَ ظلَّ المجدِ ثائرُهم |
واللهُ كان وراءَ القصْد والطلب |
قال الدعيُّ هَوَىً: قد جُنَّ فتيتُنا |
يا سُوء ما اقترفوا، يا ضَوْعَةَ العَرَب!! |
لو يَعلمُ القوم ما تُودي عواقبُهم |
فيما هم افتعلوا ما هَبَّ ذو صَخَب |
قد كنتُ آمُلُ لا تجري دماؤهُمُ |
مُهْراقةَ النزْفِ بين الكَلِّ والهَرَب |
وينطقُ البؤس: عودوا، لا نَتَاج لكم |
فالصوت محتَجَبٌ من كلِّ محتَجَب |
عودوا إلى الدار أنّى يُرتَجى بكمُ |
إلا كما يَرتَجي الميؤوسُ بالكَرِب |
لكنه الفجر قد لاحت مطالعُه |
بيضاءَ لامعةً في شَذوِها الرَطِب |
وأفْصَحَ النصرُ عما كان مأربَه |
هذا الدعيُّ بما في القِيلِ من أَرَب |
إنْ ما تَكَشَّفَ مِن لونٍ تَلَوَّنه |
بان الخَبَاثُ به من قلبه العَطِب |
الآن أعرفُ من كانوا عباقرةً |
وأبْصُرُ النصر لا يُسقى من الرِيَب |
وأعرف الشُمَّ من جابوا بسيطتَهم |
تَصْلى بوقعتهم في كل مضطَّرب |
وأصْدقُ اليوم قولاً: إنَّ نطفتَهم |
في طَورِها خُلقتْ من قامة السُحب |
من صرخة الشعب لمّا اليومَ يطلقُها |
قد نال عزته من صوته الخَضِب |
يا شاهدَ العصر سَطِّر عن سواعدهم |
ما كان من أدب أو حُفَّ في الخُطَب |