

هل الترجمــــة خيانــــــــة ؟
ثمة مقولة في الإيطالية نصها" الترجمة خيانة"- tradutorre traditorea.
وفي ظني أن هذه الخيانة تتبدى أكثر جلاء في الشعر، وستكون مضاعفة إذا لم نتلاف الأخطاء، وذلك بتعاون اثنين في كل نص، يمثل كل واحد منهما لغة أمِّه.
وسأحاول أن أعطي نموذجين لترجمات خاطئة، معتبرًا أن ما ينطبق عليهما ينطبق على سواهما من مترجمين يصولون ويجولون من غير ردع أو تنبيه، ومؤكدًا أن الترجمة تكون أدق كلما اطلع عليها ابن اللغة التي نترجم منها ، وابن اللغة التي نترجم لها.
في مجلة (موزنايم)- מאזנים - مجلة اتحاد الكتاب العبريين عدد سبتمبر- أكتوبر 1989 ص 25 نُشرت قصيدتان للشاعر طه محمد علي هما " ليس" و " شراع العذاب القادم" بترجمة مريم ساسون. وقد وقعت أخطاء في الترجمة لا يمكن الاستهانة بها:
ففي القصيدة الأولى ترجمت (الحية) بمعنى الثعبان إلى ما يقابل ( الحيوان الذي يدب) بالعبرية، واختارت ما يقابل الوشيعة أو السور النباتي حول الدار للدلالة على كلمة (السناسل) التي انتقاها الشاعر عمدًا للإيحاء بالجو القروي، ولا بد إلا أن تكون من حجر ، وليس من نبات، كما ترجمت المترجمة.
وأخطأت المترجمة في فهم معنى كلمة (المصيص) والمقصود الخيطان التي نحزم بواسطتها أمتعتنا، فإذا هي عندها قصب السكر، ويبدو أن ( المص) هو الذي غرها وأوهمها، لأن العامة تسمي قصب السكر (قصب المص).
وفي القصيدة الثانية ترجمت كلمة (اللثام) البدوي بما يقابل (مخلاة) بالعبرية ظانّة أن المعنى المقصود تابع للفرس- في السطر السابق- فاستنتجت أن لثام الفرس هو المخلاة.
والأنكى من ذلك أن الشاعر يركز على صورة شعرية، هي صورة الغضب المنطلق من غدائر (البطوف)، فإذا بالمترجمة تحذف (البطوف) متجاهلة تعمد الشاعر على ذكر اسم السهل لما له صلة من ارتباط في الأرض، فأبقت المعنى جافًا (خصل السهل).
أما زهرة ( الشاب الظريف) فتترجمها حرفيًا بما يقابلها بالعبرية (الفتى اللطيف). وبالرغم من ملاحظتها في الحاشية أن هذا التعبير يعني زهرة ملونة، إلا أنها لم تهتد إلى اللفظ الصحيح المقابل لها بالعبرية الذي قصده الشاعر.
ومن ناحية أخرى يعمد د. عبد الواحد لؤلؤة إلى بيان أخطاء الترجمة التي قام بها أدونيس ويوسف الخال لقصيدة (الأرض اليباب) – وقد نشرتها دار مجلة شعر- فبالإضافة إلى حذف مقدمة القصيدة ذات المغزى. ترجما على سبيل المثال:
(سرح من الجندية) بِـ (أدركه الجمود). وكذلك (أعدا فخدة مشوية) أصبحت ( كانوا يلعبون الورق). والمضحك أن لفظة (swallow) يترجمانها (أبلع) والصحيح أنها (السنونوة)، ويترجمان قول المرأة التي أخذت حبوبًا لتسقط جنينها إلى قول رجل يريد أن يوقظ ما به ..... وهو عكس المعنى تمامًا.
والرأي عندي ألا تكون الترجمة بدون مراجعة ومتابعة بعدها. فقد نظلم الأديب الذي نترجمه، وقد نكون أخطأنا فهم مراده، أو لم نحسن قراءته، أو لم نمايز بين الأخطاء الطباعية وبين الأصل.
وفي تقديري أن التعاون ضروري جدًا للتقليل من "الخيانة".