نقد الإبداع / إبداع النقد
يستمد كتاب "حركة السرد الروائي ومناخاته في استراتيجيات التشكيل" للباحث والناقد كمال الرياحي أهميته من المنهجية الذي حاول فيها تقديم مقاربات لنصوص إبداعية عربية معاصرة.
وتعد هذه الدراسات متميزة في مجال حركة النقد الأدبي. فقد اتخذ من الحبّ مصدرا أساسا إلى جانب الإفادة من أصول نقد الرواية ونظرية السرد على تعددها واختلافاتها وتنوعها.
ففي حضور ناقد / قارئ (كمال الرياحي) محبّ لنصوص مراوغة، متمنعة، زائغة متوافقة مع "رغبته" و "شهوانيته". يلاحظ المتلقي حرارة ونبض وتدفق هذه النصوص. يحبّر لنا الناقد نصوصا أخرى مرتحلة في بحثها عن لؤلؤ الإبداع وعن النقطة الجمالية الحميمة التي يلتقي فيها المبنى والمعنى وتجتمع فيها الرؤية مع التشكيل.
كتاب تونسي في طبعة أردنية
صدر كتاب "حركة السرد الروائي ومناخاته" بالأردن عن دار مجدلاوي للنشر والتوزيع سنة 2005. وهو في الأصل مجموعة دراسات قاربت عددا من الروايات العربية. يتضمن الكتاب مائة وأربعة وستون صفحة. وهو يشمل تقديم للناقد الأردني الدكتور محمد عبيد الله أستاذ النقد والأدب بجامعة فيلادلفيا. وممّا جاء فيه : "صوت كمال الرياحي ليس صوتا وحيدا في برية موحشة، بل هو أحد الأصوات النقدية الجديدة التي أثق بها، وأرى فيها مستقبل نقدنا العربي، أجازف وأعده أحد أعلام الجيل النقدي الجديد، هذا الجيل الذي لم تكتمل ملامحه بعد، ولم تشتهر أسماء أعلامه وممثليه، ولكن يمكن للمتابع أن يحدس ببعض توجهاته وميزاته الفارقة، إنه جيل مابعد النظرية الشكلية ومابعد النقد المضموني، أو مناهج الخارجية، فقد شاعت في نقدنا العربي المداخل الاجتماعية والسياسية التي تتأسس على الإيديولوجيا وكرد فعل على ابتعادها عن الجمالي والفني، نشأ تيار النصية والشكلية بأطياف ومسميات مختلفة، فغابت الدلالة وغاب النص السردي ليتحول النقد من النقيض إلى النقيض، من مطلق المضمون إلى مطلق الشكل وما يحمله الجيل الجديد (وفي سياقه انشغالات كمال الرياحي) أنه يعد بالخروج على هذه المطلقات، ويعيد الاعتبار للنص، من خلال تيار ثالث يأخذ بمبدأ المنزلة بين المنزلتين"
بينما أمضى عتبة الخروج الروائي التونسي الدكتور صلاح الدين بوجاه وقد جاء فيها: "...والملاحظ أن الرجل [كمال الرياحي] ينتمي إلى جيل من النّقاد يتوق إلى الجمع بين الدقّة العلميّة المطلوبة والإحالات الدّالة والعرض الواسع لمحصول القراءات المتنوّعة التي تغني البحوث دون أن تثقل كاهلها بالمكرّر المعاد".
وفضلا عن التقديم وعتبة الخروج سبع فصول على النحو التالي:
1- الفصل الأول : دراسة بعنوان "فورة الأجناس ورسوخ السيرة الذاتية في "وجوه" لمحمد شكري "اهتم فيها الناقد بمراقبة اللعبة التشكيلية وتلويناتها التي حوّلت فضاء النصّ (وجوه) إلى بانوراما من الأجناس المتعايشة (سيرة ذاتية، رواية، قصّة قصيرة، مذكّرات، شعر)
2- أمّا الفصل الثاني المعنون : "حرية الرواية ورواية الحرية "سجلات رأس الديك" لحسن نصر نموذجا" فقد كانت ملاحقة خطى حسن نصر على درب الحرية والتحرر في كتابة نصّه شكلا ودلالة فبرفضه الإقامة في شكل من أشكال السرد كانت "سجلات رأس الديك" رواية مارقة عن وحدة الجنس وصفاء النوع باستدعاء أجناس أدبية أخرى (شعر، قصّة قصيرة جدا، الخاطرة، النادرة، الخبر، المسرح إلخ...)
3- "وداعا... حمورابي" انتصار الفنّي على الإيديولوجي بحث في روائية الرّواية" هو عنوان الفصل الثالث وقد تابع الناقد في هذه الدراسة رحلة العنوان كعتبة من عتبات النصّ وتطرق إلى تقنيات الكولاج والمونتاج وكيفية بنائها للرواية.
4- وقد توقّف الناقد في الفصل الرابع : "الميتاقص أو مرايا السرد النارسيسي في رواية "خشخاش" لسميحة خريس" عند أهمّ مكوّنات الخطاب لهذه الرواية وهو "الميتاقص" الذي نهضت عليه.
5- أمّا الفصل الخامس : "الحفر في الممنوع أو البحث عن المنسي في رواية التمثال لمحمود طرشونة" فقد تناول النّاقد في هذه الدراسة : فضاءات الرواية / شخصيات الرواية / البنية الزمنية / صيغة الخطاب السردي.
6- "فنّ الرّواية ورواية الفن الموسيقى والغناء في "دروب الفرار" لبنت البحر" هو عنوان الدراسة السادسة التي اهتم فيها الناقد بمسك خيوط (الموسيقى والغناء) النسيج السردي لرواية حفيظة قارة بيبان.
7- وينهي الناقد والباحث كمال الرياحي كتابه بالفصل السابع المعنون : "لغة الحياة وحياة اللغة في "البق والقرصان" للروائي الجزائري المهاجر عمارة لخوص" بتثبيته البؤرة الجمالية لهذا النص وهي اللغة وخصائص أسلوبها وكيفية بناءها الرواية.
وإجمالا يمكن ملاحظة أنّ نصيب الأسد في هذه المقاربات كان للرواية المغاربيّة، وهو ما يعني أن دار النشر الأردنية قامت بلفتة ثقافية تذكر فتشكر.