

نايف سليم شاعر الفقراء ونصير المظلومين
نايف سليم صوت ريفي يأتينا من ربى الجليل صادحاً بالاشعار الوطنية والطبقية المحكية، وهو من الاسماء الشعرية المعروفة في القصيدة الشعبية الثورية الفلسطينية داخل الحصار. عرفناه كشاعر ملتزم ومتحزب للجماهير والوطن والفقراء والجياع والمظلومين، ومندمج جدلياً بقضايا الشعب المغلوب على امره، والمقاتل ضد القمع والظلم والقهر القومي والطبقي.
خاض نايف غمار الشعر منذ الصغر، ونشر قصائده في صحف ومجلات الحزب الشيوعي (الاتحاد، الجديد، الغد)، واصدر عدداً من الدواوين الشعرية والكتب النثرية والطرائف الادبية نذكر منها: "وفاء، جليليات، ريح الشمال، اغاني الفقراء، شعل، اشعار طبقية، 100قصيدة حب للانتفاضة " وغيرها.
ق بعرق الكادحين ورائحة دم الشهداء، وتغرق بالوجد والمؤانسة، وممهورة بالصدق والعفوية والبراءة. وهي وليدة الاحداث السياسية المتلاحقة والظروف الاجتماعية، التي يعيش في كنفها، وصادرة عن معاناة وصراع يومي، وتعبير ابداعي فني وجمالي عن واقع المعاناة والمأساة الفلسطينية وهواجس الناس البسطاء اليومية في الازقة والحارات، وعن طموحات وآمال الجماهير المسحوقة والمقهورة طبقياً، في الغد الباسم والتطلع الى النهار، وتسجيل حي وملموس لحب وعشق الانسان الفلسطيني لارضه ولكل شجرة واقفة على ابواب الشمس، كما انها تتدفق اصالة وعذوبة وعاطفة وطنية جياشة وانتماء الى الجذور. وتتميز بالحس الوطني والاندماج بالقضية الطبقية كقضية مركزية تحتل وتشغل فكره ووجدانه وتملأ حياته ويذود عنها. انها قصائد حزينة وغاضبة في آن ومتفائلة وواثقة بالحياة، وزاخرة بالصور الطبيعية الحية والشخصيات الشعبية القوية الساطعة. واكثر ما يشدنا اليها هو وضوحها وشفافيتها وصفاؤها واعتمادها على اللغة العامية المحكية في قرانا وريفنا الفلسطيني.. لغة شعبنا القومية التي يفهمها كل الناس، من المثقف حتى الامي، وتوضيفها للقول المأثور والمثل الشعبي والكلمة المتداولة والصور والمفردات والاخيلة الراسخة بين قطاعات وشرائح مجتمعنا.. من فقراء وكادحين، ما يؤكد ويدل على امتلاك نايف سليم لناصية اللغة الشعبية، التي يتقنها، وللمخزون الفولكلوري الفلسطيني، الذي نستشفه ونحس به في ثنايا قصائده.
كذلك تعكس نصوصه الشعرية رؤية فكرية واضحة وموقفاً سياسياً لا لبس فيه، ينطلق من الفكر الايديولوجي الطبقي – الواقعي الاشتراكي، الذي يؤمن به، المنحاز لجموع العمال والمسحوقين والمناصر للطبقة العاملة الثورية، التي تئن تحت الجوع والفقر والانسحاق والاغتراب، وتخوض كفاحاً ضارياً ومثابراً ضد الاستغلال الراسمالي. ويبرز من خلالها ايمانه الراسخ بعدالة القضية الطبقية الانسانية وبانتصار الكادحين في نهاية المطاف، وخلاصهم من الاصفاد والاغلال، التي تكبلهم.
وفي مجمل دواوينه تتجلى الوطنية الصادقة ويبدو نايف سليم عاشقاً للارض والوطن، راسخاً فيه ومتعلقاً وملتصقاً بجليله وزيتونه وسنديانه وصباره وطيونه وزعتره ووديانه، واكثر انجذاباً الى تراثه وجذوره التاريخية، واعتزازاً بانتمائه اليعربي والمعروفي العريق، فيتغنى بامته وشعبه داعياً الى الصمود وعدم التفريط بذرة تراب واحدة، وخوض المعارك النضالية البطولية دفاعاً عن البقاء والوجود والحياة فوق ثرى هذا الوطن المقدس، ومعرياً المنافقين ومساحي الجوخ الذين يمدحون الجلاد.. ولنسمعه يقول باندفاع ثوري:
يا مساحين الجوخ ليش مكيفينبيفرحة الجلاد؟!وحتى ان سلخ جلد الصياديا مداحين الدمى، ريتن رموز الذل ما كانوايا مساحين الجوخ لو صدقوا، سلاطين، بتظلوا دمىلا احنا منكو، ولا احد من شكا لكوا مناولمحمل يحطط عن حصانهوما في حدا عنا، بيغني بأجر جيرانه.
وتظهر روح الشاعر الساخرة الكامنة لديه في قصيدتي"حكام الشرق الاوسط" و"حكام في الوطن العرب" من ديوان "ريح الشمال" حيث يهزأ من الانظمة العربية المتواطئة والخنوعة للامبريالية.
ونايف سليم يخاطب الشاعر الفلسطيني اسعد الاسعد المرابط في المناطق الفلسطينية المحتلة، من خلال قصيدة تؤكد ولاءه للشعر الملتزم بقضايا الجماهير، هذا الشعر الذي يكتبه وينتجه ايضاً، فيقول:
قادر يا شاعر "الميلاد في الغربة" ان اخطفان احرق النجوم الشارداتواعبيها ببحر الهم تكوي موجة العاتيببعض اللمعاتواغطي بالكلام الناعم الغارق في عطر الضبابيةاوجاعي وحرب الطبقات.
وفي قصائده الانتفاضية المشحونة بالغضب الثوري، المشمولة في ديوانه "100 قصيدة حب الى شهداء الانتفاضة"، التي كان قد نشر بعضها في مجلة "الجديد" المحتجبة قسراً والغائبة عن المشهد الثقافي الفلسطيني، نراه يتناول موضوعات يومية عاشتها الانتفاضة الفلسطينية الاولى.. انتفاضة كانون، وينقل صورها ومشاهدها وخطوطها والوانها، ويرسم صورة حقيقية للطفولة البائسة والحجارة الكريمة والغضب الساطع والقهر المتأجج في وجدان الناس، ويمجد الشهداء الابرار الذي سقطوا برصاص المحتل اثناء مواجهة الدبابة والمدفع بالمقلاع والحجر، وينغرسون اشجاراً باسقة على درب الشهادة، فتفوح من اجسادهم روائح العطور والطيوب، ويشكلون بدمائهم النقية جدلية الموت والحياة، ويأخذنا الى عالم الامل والتفاؤل مستشرفاً الآتي الجميل ومبدداً عتمة القلب، مشحوناً باليقين.. فيقول:
سمعوا هتاف المدرسةطخوا على "رف الحمام" وصابوا العصفورةفرفر حسام، بجناحه المكسوروذبل عيونهوسبل جفونه، ونامولعبت بشعراته الشقر انساموانجنت الانساموعلا هتاف البلد، خلف المدرسةاحنا شعب ع الضيم ما منّام.
ثم يكتب الى الشهيدة نجوى المصري من بيت حانون، التي استشهدت يوم 15/ 12/ 1987 قائلاً:
يا نجوىبسمتك الخجلىباقيةرغم الموت القاسي والبلوىيا نجوىباقية انتفأنت الاقوىوقضيتك الاقوى.
ويغلب الطابع الرثائي الحزين على بعض قصائد نايف سليم، وهو حزن عاطفي وانساني واعِ، فنجده يرثي ابنته "وفاء" التي اختطفتها يد المنون وهي في عمر الورود وريعان الصبا والشباب، فيحاكيها في قبرها قائلاً:
يا راحلة لوين؟يا ماخذه قلوب الاهلعامهلبعدك صبية باول صباكييا حسرتي، رحتي، خسرناكييا عين اهلك وين!صنعتي برمشة عين؟قالوا: الموتاختار نقاكشو هالبلية؟وبعدك صبية.
كما يرثي ويؤبن صديقه وابن قريته "البقيعة" الشاعر سميح صباغ، الذي رحل عنا مبكراً وهو في غمرة عطائه الشعري والادبي ونشاطه السياسي والحزبي، وذلك في مقطوعة "قصائد حزينة"، حيث نستشف الشعور الانساني العميق تجاه الفقيد الغالي:
لو شفت حالتها بيوم العيدظلت بكا وتنهيدوشربت من دموعهاا تانشفوا دموعهامستقتلة عاشوفتكعالحظة رجوعكاوعا تطول غيبتك.. اوعا..والخبار مقطوعة!يا حسرتي الخبار مقطوعةالاصحاب بستنوك والاحبابوعالبابامكناطرة.. عالباب.
ولنايف سليم صولا وجولات في الغزل والمرأة.. وفي غزلياته التي كتبها في عنفوان شبابه، ولم تر النور على صفحات المجلات والصحف، الى ان جاء الصحفي والشاعر سهيل قبلان فنشر بعضاً منها في "الاتحاد" دون علمه بذلك، وفيها نلحظ الصدق التعبيري والرقة والجمالية:
يا حاملة الجرة ومروحا تسقي الحبقيا مفرفحا زي الحبق يا قرنفلةيا مزهوة يا مجمرة خدودكيا نجمتي الهادي، يا حاملة غمار الحبق للغيم زوادةيا مدونة نقل القدم عهزة نهودكامشي.
بقي القول، ان قصائد نايف سليم تنتمي الى الاتجاه الماركسي الثوري في الادب، وهي بمجملها تعبير عن هواجسه المنبعثة من اعماق المعاناة الفلسطينية، ورغبات قوية في طلب الحرية والاستقلال لابناء شعبه الصامد والثابت والمرابط في وطنه، ولبنة اساسية من لبنات الشعر الشعبي الفلسطيني، الذي ارسى جذوره في حركتنا الادبية في هذا الجزء الحي والنابض من ارض الوطن الشاعر الشعبي الكبير سعود الاسدي. وكلنا امل بان يواصل نايف سليم مدنا بهذا اللون الشعري الجميل، الذي يحمل في طياته صوراً وتعابير شعرية اخاذة وعميقة، لنضيفه الى بنيان الشعر الفلسطيني الملتزم بقضايا الشعب والجماهير.