ها أنا على بعد قارةٍ من عينيك.. أكتب لك من جديد،
وأعلم أن لا الرياح ولا القمر ولا حتى الآخرة.. ستجمعني بك يوماً!
لأن القدر أسقط من قائمة العشاق اسمنا الثلاثي؛ فأصبحنا عشاقاً
بلا هوية، بلا وزن أو قافية؛ لهذا نحن أسرى الريح..
أسرى النسمات العابرة؛ فلا تتعمقي في قراءتي كثيراً..
ولا تطيلي النظر في أبياتي،
فلست مارداً لأطل عليك من نافذة الكلمات.
لست سوى أنا.. كما تعودت عليّ وكما عرفتني
شاعراً أنيقاً يراقص الحروف بطريقة عفوية تثير إدهاشك.
ها أنا على بعد عام من شفتيك أزداد عمراً وأذوب برداً
ها أنا مثلما جئت فرداً أعود فرداً
لم يطرأ جديد.. سوى أني أصبحت أجمل..
ألم تقولي ذات بوح: أنتَ لا تكبر عمراً، بل تكبر حسناً وسحراً
كما أن مشاعري الوطنية أصبحت أجمل..
ألم أقل لك يوماً: إن البعد عن الوطن ينقي مشاعرنا الوطنية.
إذن.. كان بُعدي عنك اختباراً لصحة نبوءتنا
كلانا نجح في الاختبار، وكلانا الخاسر الأكبر!
أما أنا.. فخسارتي مضاعفة، أمام هذا السقوط الجماعي،
أمام هذا الانحدار الأخلاقي لرموز تعرّت من شعاراتها
في سباقها الحار نحومراسم تسليم غرفة من زجاج
لصاحب الرقم القياسي في ضرب الناس بالحجارة..
ولأن الحجارة سمة حضارية في تاريخ قضيتنا
ولكي لا يحوّر المعنى بطرائق فقهية.. سأكتب مرة ثانية:
تتضاعف خسارتي، أمام هذا الانحدار الأخلاقي لرموز تعرّت من شعاراتها
في سباقها الحار نحومراسم تسليم غرفة من ورق
لصاحب الرقم القياسي في كيّ الناس بالنار
ولأننا لم نصل إلى هذا الحد من الغباء،
يجب أن أنوه أن رموزنا على علم مسبق بالمثل القائل:
«الذي بيته من زجاج لا يضرب الناس بالحجارة» ولكن..
كل ما في الأمر أن وكالة فتنة عربية ستغطي عملية الرجم
وبالتالي سيضمن هذا الرمز أن يطلّ علينا بلحيته البيضاء
ثلاث مرات في اليوم على مدار ثلاث نشرات إخبارية مفصلة
على مقياس عباءته الفضفاضة التي تتسع لكل شيء إلا الأمانة
تماماً كهذا الوطن الذي يتسع لكل شيء ويضيق بنا!
ها أنا على حافة المنفى أكتب لك من جديد..
وأعلم أنك لن تمري على هذا النص إلا صدفة
كما مررت ذات مطر على عطشي صدفة!
أما زلت تحتفظين بقصائدي تحت مخدعك.. أما زلت تقرئينها خلسة؟
كم مرة يجب أن نموت كي يغفر الحظ لنا ذنباً لم نقترفه؟
هل أكتب بحروف فسفورية كي تدرك النجوم كم أحبكِ!
ولكن.. ما جدوى ذلك ما دام الجن والأنس مجتمعين
عاجزين عن خلق ذبابة!
إياك أن تظني أني أسخر مما آلت إليه حالنا
إياك أن تظني أني كفرت بالقضاء والقدر
كل ما في الأمر أني أجلس الآن وحدي..
أراقب عاشقين يتراشقان بالقبل
تحت سماء تظللهما بالأمن والسكينة
فتذكرت عينيك ووطني الذي لا أملك منه سوى حروفه الستة
وحين فاجأني البكاء.. لم أجد ما ألوذ به
سوى قلمي الذي خطَّ لك هذه الكلمات المتواضعة!