الأربعاء ١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

كأنها نائمة

"كأنها نائمة" هي آخر روايات الكاتب اللبناني الياس خوري، وقد صدرت في بداية هذا العام (2007). وتتكون من 390 صفحة من القطع المتوسط، وقد صدرت عن دار الآداب في بيروت، وعن دار شروق في عمان ورام الله. الأولى لتوزع في العالم العربي، والثانية لتوزع في الضفة والقطاع ومناطق الاحتلال الأول.

وقد عرفنا، نحن أهل فلسطين، الياس خوري روائياً من خلال كتاب في جريدة، حيث قرأنا له "مملكة الغرباء"، ومن خلال اعادة طباعة "باب الشمس" التي منح عليها جائزة فلسطين للرواية، ومن خلال اعادة طباعة "يالو"، وقد حظي العملان باهتمام النقاد والدارسين، فأنجز عنهما دراسات ومقالات ورسائل علمية. كما أن "باب الشمس" التي نقلت مؤخراً الى الانجليزية حظيت بأكثر من هذا، فقد مسرحت وأنتجت فيلما سينمائياً شاهده كثيرون. وربما ذهب بعض الدارسين الى ان "باب الشمس" هي رواية القضية الفلسطينية. حقاً ان كاتبها لبناني الاصل، وهو متعاطف مع الثورة منذ العام 1968، الا ان موضوعها هو الموضوع الفلسطيني بامتياز.

في "كأنها نائمة" التي تجري أحداثها قبل العام 1948، وإن كان هناك استباق زمني ايضاً لهذا العام، واسترجاع زمني لأحداث عاشتها المنطقة في نهاية القرن التاسع عشر، تحضر فلسطين ولبنان معاً. ثمة زواج فلسطيني - لبناني. زواج فلسطيني مسيحي من يافا، هو منصور، من لبنانية هي ميليا، يلتقيان في الناصرة ويقيمان فيها، بعد ان سحرت المرأة الرجل في احدى رحلاته الى لبنان. وستحضر تجارب المسيح ويوسف النجار ومريم وغيرهم من الانبياء. وكما رأى سيدنا يوسف احد عشر كوكباً وفسر المنامات، الاحلام، الرؤى، فإن ميليا مسكونة بمناماتها واحلامها ورؤاها، حتى لتسيرها هذه، وحتى لتصدقها، واذا كانت الاحلام والرؤى والمنامات برزت في روايات عربية كثيرة، فإن هذه الرواية، كما ارى، هي الرواية العربية الأبرز في هذا الجانب، ولعلني لم أقرأ، من قبل، رواية عربية كان للرؤى، والاحلام، والمنامات، حضور فيها، كما هو في هذه الرواية.

ولئن كان منصور الفلسطيني مسكوناً بهاجس الشعر، وهذا ما نجده في الرواية العربية منذ بداياتها، وهذا ما نجده في روايات انجزت في نهاية القرن العشرين، مثل رواية "ارض السواد" لعبد الرحمن منيف، ورواية "الزوبعة" لزياد قاسم، فإن هذا الهاجس لا يقاس بهاجس ميليا في اعتقادها برؤاها ومناماتها، كم مرة تكررت مفردة المنام في الرواية. لعله امر يصعب تعداده، إلا إذا استخدم المرء جهاز الحاسوب.
"ما تصدقي مناماتك" قال لها.

"إذا ما صدقتهم مين بصدق"؟
"صدقيني أنا"
"إنت اكيد، بس المنامات بتخبرني شو عم بيصير".
"المنامات أوهام" قال لها
"والشعر يلي بتضلك ترندحلي ياه مش اوهام؟
"الشعر حقيقة، موسيقى الكلام والمعاني. هو يلي بيعطي معنى للأشيا؟"
وأظن أن هذه الرواية التي تجري احداثها في لبنان والناصرة ويافا، تشكل خطوة متقدمة على صعيد الشكل في روايات الياس خوري. وإذا كانت الف ليلة وليلة تتكون من الف ليلة وليلة، فإن "كأنها نائمة" تتكون من ثلاث ليال فقط. تختلف في عدد الليالي، ولكنها كأنها، من حيث اسلوب القص، خارجة منها، من الحكاية تخرج الحكاية، وللخيال فيها نصيب كبير.

وربما تعد، هذه الرواية، من حيث الأسلوب، من اكثر روايات الياس تعقيداً. وأظن ان قارئيها سيجدون صعوبة في فهمها، او انهم سيضطرون الى قراءتها غير مرة. هل سيخسر الياس خوري الذي ربح فنياً قراءه؟ ربما. وربما تذكر المرء غسان كنفاني وروايته "ما تبقى لكم" التي تأثر فيها بالصخب والعنف لـ (وليم فوكنر) سحر كنفاني بالاسلوب، فاستعاره، وأنجز رواية غدت متميزة في الرواية العربية، ولكن القراء كانوا قليلين. وسيكتشف غسان انه لم يكن مصيباً. لماذا؟ لأنه ربح النقاد والجائزة، وخسر القراء، وهكذا سيقول: هل اكتب انا من اجل قلة من النقاد؟ وهل لا بد من التعقيد ليكون العمل عميقاً؟ يمكن قول الاشياء العميقة بأسلوب بسيط. وسيعود ليكتب "أم سعد" و "عائد الى حيفا" بأسلوب سهل. هل سيمر الياس خوري بالتجربة نفسها؟ لا ادري.

سيكون الياس حاضراً في روايته، لا من حيث هو شخصية روائية، فليس ثمة شخصية يتشابه معها، إلا شخصية الصحافي اسكندر ، وهي شخصية ثانوية في الرواية، وإنما سيكون حاضراً من حيث اسلوبه، فمن قرأ "باب الشمس" و "يالو" وبعض رواياته السابقة سيكتشف تشابها بين الساردين، حتى لكأن اسلوب السارد في هذه الروايات يكاد يكون متقارباً. فكأن الياس يدخل لغة سارديه في مياه نهره هو، ولكأنه هو نهر (ليثي) الذي كتب عنه (ميخائيل باختين) وهو يكتب عن لغة الشعر الغنائي، حيث يصهر الشاعر لغته في مياه النهر، لتغدو واحدة، خلافاً للروائي الذي يحفل نصه بأساليب متعددة. اسلوب السارد في روايات الياس يكاد يقترب من بعضه. حتماً ان المستوى اللغوي في الرواية متعدد، فثمة لهجة لبنانية هي لغة الشخوص، ولكن ثمة لغة سرد مختلفة هي العربية الفصيحة، وهذه اي لغة السرد هي لغة الياس خوري كاتباً، لا متحدثاً، فهو حين يتكلم، وهذا ما نعرفه من خلال الحوارات التي تجري معه من على شاشة الفضائيات، يتكلم بالعامية اللبنانية.

وحين يقرأ المرء الاسطر التالية من لغة سارد الياس في "كأنها نائمة":
"هل اخبرت ميليا الحكاية مثلما حصلت؟ بالطبع لا، اذ لا يستطيع احد ان يخبر حكاية بوقائعها وتسلسلها، وإلا سوف يقضي الانسان عمره كله في اخبار حكاية واحدة" (ص 176).

وحين يقرأ ايضاً

"قالت لموسى انه لا يعرفها، لا، لم تقل" (ص 247) و "ميليا تذكر الكأس، اعطاها كأساً مليئة بالنبيذ الابيض المائل الى الاصفرار، لا لم يعطها الكأس". (ص247)

حين يقرأ المرء الاسطر هذه، الا يتذكر اسلوب ساردي روايات الياس السابقة؟
في "كأنها نائمة" سيتداخل الواقع بالحلم بالاسطورة بالخيال، بطريقة عجيبة، قلما قرأ المرء مثلها في الرواية العربية المعاصرة، وربما لهذا سيجد نفسه تائهاً، وبحاجة الى قراءة الرواية ثانية وثالثة، بل وبحاجة الى قراءة فرويد وعلم النفس وتفسير الاحلام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى