

عن التطفل وحشر الأنف
يتدخل البعض فيما لا يعنيهم ، ويلقى أحياناً ما لا يرضيه ، ورغم ذلك يعود ... يعود سيرته الأولى ليتدخل (ويحشر أنفه) فيسأل عن البيضة ومن باضها ، أو يسلك سلوكاً مزعجاً للآخرين ، وهو يظن أنه معقول ومقبول .
وقد تعلمت وأنا صغير حكاية القرد والنجار ، حيث أن النجار ترك أدواته لقضاء حاجة له ، فألفى القرد وقد عبث بالأدوات ، فلزم الشق ذنبه ، وأخذ يصيح مستغيثاً وقد أصابه الضر .
فلماذا نقبل أن نمثل دور القرد وما مُسخنا ؟
وإليكم بعض اللقطات :
– تقف سيارة وراء سيارتك وتغلق عليك المنافذ ، تنتظر الفرج وهيهات ، والأنكى من ذلك أن تقف السيارة في مكان معد لك أمام مدخل بيتك ، أو يقف السائق في وسط الشارع ليحادث سائقاً آخر وما عليك إزاء ذلك إلا أن تضبط أعصابك وتحتمل .
– تحادث شخصاً فيأتي شخص آخر من غير (دستور ولا حضور) فيرهف السمع ، أو تستقبل ضيفًا فيأتي ضيفن ، فإذا تحليت بحلية الأدب ولم ترفض وقفة هذا أو حضور ذاك ، فإنك ستجده وقد تدخل في حديث ليس من شأنه ، فتحاول أن تنظر إليه نظرة لها معنى ، ولكنه يسترسل ، وأنت إزاء ذلك ما عليك إلا أن تضبط أعصابك وتحتمل .
– يسألك الكثيرون عن الحادثة التي وقعت لك أو ما يتعلق بك ، يسألونك بإلحاح غريب ، وأنت تختصر وهم يطلبون التفصيل .. ورغم أن في هذه الأسئلة اهتماماً وتكافلاً اجتماعياً وإيجابية ، إلا أن فيها الكثير من الاشتفاء – للأسف – ، وفيها الكثير من التسلية ، وأنت إزاء ذلك مضطر أن تضبط أعصابك وتحتمل ، وفي هذا السياق سأحدثكم ما جرى لأحد معارفي:
قال لي بعد أن حدثني متطوعًا عن سرقة دكانه ، وأنه ينتظر الشرطة للتحقيق:
" لم أعد أحتمل كثرة الأسئلة والتحقيقات من القريب والغريب" .
اقترحت عليه أن يكتب على ورقة (بريستول) ما يلي :
– سرقت الدكان هذه الليلة الساعة الثانية .
– كان في الطاولة مائة شاقل فقط .
– انتبهنا للسرقة الساعة الخامسة ، وأخبرنا الشرطة ، وستحضر .
وحدثني الشخص المنكود بعد ذلك أنه وفر على نفسه مشقة التحقيق بلا طائل ، وشكرني على اقتراحي ، ولكنه شكا أن هناك أسئلة أخرى يهتمون بها .
* يدلي شخص مثقف بدلوه في ما يعرف وما لا يعرف ، ويفرض علينا شخصيته الطوعية أو القسرية بحديث لا طعم له ولا لذة ، ولا أساس له ولا مراس ، وأنت مضطر إزاء ذلك أن تضبط أعصابك وتحتمل .
* يتدخل شخص متدين لا يعرف جوهر الدين في تطبيق حديث (من رأى منكم منكًرًا.... ) ليصلح أمور الكون (الفاسد) وكيفية أكلنا وشربنا ونومنا ولباسنا وزواجنا وذهابنا للمرحاض ، فيزن المنكر بمقاييسه ، أو على الأصح بطريقة فهمه للشريعة .
ولا مندوحة من التأكيد على أنني لا أرى في إصلاح ذات البــين وإصلاح المجتمع تطفلاً ، وذلك إذا قام على أسس قويمة من المعرفة والقانون ، حتى لا يأخذ كل منا زمام الأمور بيديه ، ويظن بأنه هادي الأمة وعليه تقع (المسؤولية).
إنني أرمي من وراء هذه السطور أن يعرف الإنسان حده ويقف عنده حتى يرحمه الله ، وان (الشهر) الذي ليس لنا فيه فائدة وعائدة لا ضرورة لعد أيامه .
وحكاية (الصحن المغطى) – وهي حكاية طفولية فيها عبرة :
حملت صبية صحنا مغطى ، فالتقاها رجل وسألها :
– ماذا تحملين يا صبية ؟
– فأجابت :
– لو أرادت أمي أن يعرف الناس ما في الصحن لما غطته !
وحتى تعرفوا جدية الموضوع وتكلفته - سأسوق لكم حكاية أخرى حدثني إياها أحد المتطفلين ، قال :
(رأيت فلاناً وقد ركب سيارته مسرعاً ، وكانت إلى جانبه فتاة أبهى وأزهى من الورد ، فلحقت بهما حتى المدينة ، وكأنني مباحث ، وخصصت وقتي كله .... ثم وجدتهما قد دخلا دكانًا ، وسرعان ما اكتشفت أنها ابنة أخته).
ألسنا بحاجة إلى التكرير : (حلوا عن سمانا)!!