الأربعاء ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
كثرة الدراسات وتكرارها:
بقلم عادل الأسطة

صورة العربي في الأدب العبري نموذجاً

ربما يثير المرء، ابتداءً، السؤال التالي: هل يجوز للدارس أن يكتب في موضوع كتب فيه من قبل؟ وربما يجيبه قارئ التيارات النقدية الحديثة بـ نعم. وإذا ما استرشد المرء بآراء أصحاب نظرية التلقي وآراء التفكيكيين فإنه واجدٌ، لا شك، مبرراً لمن يخوض في موضوعات خيض فيها. فأصحاب نظرية التلقي يقولون: إن قراءة نص أدبي في زمنيين مختلفين تؤدي إلى قراءتين مختلفتين، حتى من القارئ نفسه، بل إن قراءة نص أدبي، في الوقت نفسه، من قارئين مختلفين، تؤدي إلى قراءتين مختلفتين. ويبدو أن مجلة " فصول " المصرية، وهي مجلة متخصصة في النقد الأدبي، أخذت بهذه المقولة، ومن هنا حفلت أعدادها الأخيرة بزاوية تحت هذا العنوان تقريباً: نص وقراءتان. وقدمت لبعض الكتب الصادرة حديثاً قراءتين متزامنتين. ويلحظ المرء في العدد الأخير من مجلة العربي ( نوفمبر 2006 ) مراجعة لكتاب ( ارسكين كالدويل ) " اسمها تجربة الصادر عن دار المدى يذكر كاتبها فيها " بندر عبد الحميد " أن كالدويل كان يعيد " كتابة بعض أعماله عشر مرات أو أكثر، لأنه يريد أن يحكي قصة بأفضل ما يستطيع. أنا شخصياً درست مظفر النواب في العام 1978 وفي العام 1999، ولاحظت اختلاف قراءتيْ لنصوصه. كان الاختلاف بينا وواضحاً ولافتاً. هذا ما يقوله أصحاب نظرية التلقي الألمانية، فماذا يقول التفكيكيون؟

يرى هؤلاء أنْ ما من يقين مطلق، وأنه ليس هناك قراءة نهائية لنص من النصوص، وأن كل قراءة هي إساءة قراءة، وأن الدال الواحد يحتمل تأويلات عديدة، وبالتالي فإنهم لا يقفلون قراءة نص ما، وهكذا يردون على أولئك الذين يقولون لدارس يريد أن يدرس أديباً أنجزت عنه عشرات الدراسات: إنه أشبع دراسة. يردون عليهم: إنه قد يدرس أيضاً، وقد يؤول تأويلات جديدة لم تخظر على بال الدارسين السابقين.

اعتماداً على مقولات نظرية التلقي ومقولات التفكيكيين هل بقي هناك ضرورة للكتابة تحت العنوان " كثرة الدراسات وتكرارها "؟

منذ فترة طويلة جداً، ربما تعود إلى ربع قرن، وأنا مهتم بموضوع " صورة العربي في الأدب العبري ". وقد حثثت أحد الذين يجيدون العبرية أن ينجز دراسة فيه، وشجعته على ذلك، وهو ما تم، ولم تكن يومها صدرت دراسات كثيرة في الموضوع. كانت ( ريزا دومب ) أنجزت رسالة دكتوراة باللغة الإنجليزية، ترجمت، فيما بعد، إلى العربية، لاهتمام العرب في الموضوع. وقبل كتابتها لفت غسان كنفاني، وبعده معين بسيسو، الأنظار إليه. فهما كانا يجيدان الإنجليزية.

قرأ الأول الأدب الصهيوني المكتوب أصلاً بها ( نجمة في الريح / لصوص في الليل / اكسودس ) وقرأ الثاني ( يا عيل دايان ) التي كانت تكتب بالإنجليزية. وقبل هذين كتب الدارس الإسرائيلي ( ايهود بن عيزر ) دراسة عنوانها " صورة العربي في الأدب العبري " نقلها إلى العربي أحمد حماد وصدرت مترجمة في العام 2001، وكان عمر عبد الغني غرة أنجز رسالة أكاديمية في الموضوع نفسه، صدرت بالعربي عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في رام الله والقدس في أوائل تسعينيات القرن المنصرم.

ويبدو أن هذا الموضوع يروق لدارسين كثر آخرين من جنسيات أخرى، فقد أنجزت دارسة أمريكية، على ما أعتقد، هي ( جيلا رامراس راوخ ) دراسة مفصلة في الموضوع، نقلت، قبل سنوات قليلة، إلى العربية. وكانت نشرت بالإنجليزية في نهاية الثمانينيات من ق20، وأنجزت في الفترة نفسها دراسة ألمانية تدرس في جامعة ( كولن ) هي ( أوتي بوهايمر ) دراسة في الموضوع نفسه، نقلتها أنا إلى العربية في العام 1996، واعتمدت في دراستها التي كتبتها بالألمانية على نصوص مترجمة إلى الألمانية. وربما تذكر المرء هنا المقدمة التي كتبها سميح القاسم لترجمة رواية ( عاموس كنيان ) " الطريق إلى عين حارود " وما ورد فيها بخصوص الترجمات، فالعرب مثلاً نقلوها نصوصاً لكتاب عبريين يبرزون فيها صورة يمكن أن تكون، في جانب من جوانبها، مقبولة، ولم يترجموا أية نصوص تبرز صورة بائسة سيئة للعربي,

وربما يشيد المرء هنا بدراسة الكاتب العبري ( دان ياهف )، لأنها تختلف عن كثير من الدراسات، إذ أتت على كل ما كتبه الإسرائيليون. وعنوان دراسته: ما أروع هذه الحرب! وقد نقلتها ( مدار ) إلى العربية قبل أعوام قليلة.

لقد تجمع لدي شخصياً ما لا يقل عن تسعة كتب في الموضوع، وعشر دراسات، وآخر هذه الدراسات تلك التي أنجزها دارسون فلسطينيون لا يجيدون العبرية أو الإنجليزية. قرأت بعضها على ( الانترنت ) وقرأت بعضها مخطوطة، لأن أصحابها أرادوا نشرها في مجلات علمية. فماذا وجدت؟

لقد رأيت في هذه الدراسات التي أغفل بعض أصحابها الدراسات السابقة، تلخيصاً رديئاً وتكراراً بائساً للدراسات المنجزة سابقاً، ولقد شعرت أنني أنفق وقتي فيما لا طائل وراءه وأنا أقرأها. عدا أن بعض أصحابها لم يتبعوا طريقة جديدة في تناول النصوص إلا أقلهم ممن شرحوا لي أنهم يدركون أن الموضوع خيض فيه، ولكنهم يحاولون تطبيق منهج جديد.
ربما ما يستحق الدراسة الآن، من دارس يجيد العبرية والإنجليزية على الأقل، أن يقدم لنا دراسة عن هذه الدراسات ليرى ما هي أفضلها، حتى يقترح علينا أيها نقرأ.

في الجامعات المحترمة، حين يريد دارس أن ينجز دراسة في موضوع ما، يطلب منه أن يطلع على الدراسات السابقة، وأن يقيمها، لكي يقدم شيئاً جديدا، ترى هل نفعل نحن هذا؟ مجرد سؤال !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى