

ساخرا.... مازلت بيننا..!!
لا أحب المؤبنين وأراهم كصبيان بلهاء لحانوتي محترف وبالتالي لا أرغب في تمسيد تراب القبر ورشه بالماء وخاصة اذا كان لنبي يقطر مرارة وسخرية من الطقوس الفارغة..!!
أسألني..هل غادر الماغوط من متردم..
وقهوته لا تزال على الاريكةدافئة وسيجارته المشتعلة دوما لم يطفئها الفعل المضارع بعدببروده القاتل..؟!!
هل غادرنا صاحب الفرح ليس مهنتي..والحزن في ضوء القمر جادة قصيدة النثر ورحل مع الراحلين بلا أسف أو أثر..؟!!
هل غادرنا الساخط.. الغاضب.. الساخر..الجامح.. المهزوم.. الحاد في كتابه الممنوع "سأخون وطني "..؟!!
أعترف لك ياماغوط وجسدك لايزال طريا أني لم أتذوق طعم الهزيمة الا من صحن سخريتك المتبل بمرارة شامية نادرة ولم ابك ضاحكا الا عندما تناثرت كلماتك الضارية على لسان "غوار" ذلك المسكين المخدوع بماضيه وحاضره ومستقبله
وأعترف أيضا اني تتلمذت دون اذنك على حضور مفرداتك وجموح افكارك وقدرتك الفائقة على امتطاء الشعر دون شعر ..!!
لم أدر انك تسربت من خلالي لغة ونكهة وذائقة.. الا عندما ابتعدت كثيرا عن غربة وضيعة تشرين وكاسك ياوطن..!!
وعندما حاولت أن اشق طريقا صغيرا..متواضعا لي بين أمثالك من الحفاة العمالقة
أحسست دائما بانتصارك في على مقامات السرب ..وتملق الغربان للسلطان..
كنت ولازلت تنهرني عندما أضعف قليلا أمام صحيفة عثمانية أو دار نشر يمتطيها موظف برتبة جاهل..!!
تمسكت بك في غضبي ..واستعرت سطوعك عندما عضني الحال العربي وأحرق قصائدي الحالمة عن الثورة والثائرين
ولجأت اليك في شرودي.. متهيئا في حضورك لقصيدة أنثى كلما أيقنت من استقبالها تفر من مخيلتي.. هازئة
عاتب عليك جدا..
أيها الماغوط..!!
ليس من عادتك أن تفارق صامتا دون ان تلقي على من أحبوك التحية..!!
وليس من عادتك أن تترك سماعة التليفون دون رد حتى ولو أخذك منا السرطان ببطئه السمج الثقيل..!!
لم أحب أبدا ان أدس انفي في دفاترك الخاصة..ولكنني ادركت ومنذ عشرين عاما انك تتوق للسفر الاخير
فما أوحش العالم الكبير بعد رحيل زهرتك ..ورفيقتك سنية
اثنان وسبعون عاما من السلمية الى لندن..
رحلة الساخر المسافر..الذي حدثنا فأضحكنا وعرانا فأبكانا..وقدم لنا حديقته من أزهارالشوك والرمان فلم نبارح بعدسورها..
اثنان وسبعون عاما تختلط فيها الصور قبيل الايذان بانزال الستار على الجسد..طفولة شقية..غواية دمشق لشاب قروي.. قسوة الضيافة في المعتقل.. وقفة مقلوبة على الحدود ..فضاء بيروت البهي..تقاطعات البرق مع أدونيس ودريد.. معارك الكلام.. وجه شاعرة صبوح.. غربة حتى النهاية للفارس العربي في صحراء لندن
أيها الماغوط..
كفى.. قبل ان تغلبني دمعة نافرة ..فتضحك على وتنهرني كعادتك الدمشقية المحببة.
أيها الماغوط..
سلاما اليك..ساخرا....ما زلت بيننا..!!