

حذف النون وفي الفصيحة
نستخدم في لهجتنا الدارجة كلمتين معًا ونحذف حرفًا من الأولى نحو: عَ الباب، مِ العالم ، ع المكتب...
وجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لها أصول فصيحة، وفي كتب اللغة.
قال ابن اسحق:
"ويجوز حذف النون من (من) و (عن) عند الألف واللام، لالتقاء الساكنين، وحذفها من (من) أكثر، لأن دخول (من) في الكلام أكثر.
(انظر "لسان العرب" آخر مادة "منن")
ومن أمثلة ذلك قول الشاعر:
كأنهما مِلآن لم يتغيراوقد مر للدارين من بعدنا عصرُ
حذف النون من (من) ظاهرة بارزة في شعر عمر بن أبي ربيعة، وسأثبت ما حضرني من تصفح ديوانه:
فما أنس ملأشياء لا أنسَ* موقفيوموقفَها وهْنًا بقارعة النخلِ*وما أنسَ ملأشياء لا أنسَ مجلسًالنا مرة منها بقَرن المنازلفملآن** لمتُ النفس بعد الذي مضىبعد الذي آلتْ وآليت من قَسَمْفملآن يثنِ الصبرُ نفسيَ أوتمتْإذا انبتَّ حبل من حبالك فانقضبْوتعلم أن لها عندناذخائرَ مِلْحبِّ لا تظهرنَجِيّـين نقضي اللهو في غير مَحْرمولو رَغِمتْ مِـلْـكاشحين المعاطسُعشيةَ رُحنا مِـلْـغميمِ وصحبتيتخِبُّ بهم عيسٌ لهن رسيم
ومن كلمة (بني) الداخلة على معرَّف باللام القمرية نجد حذف النون، نحو بَلْحارث، بَلْعنبر، وقد ورد مثل ذلك في كتب التراث:
"وأقبل رجلان أخوان من بَلْـقَين يقال لهما مالك وعقيل"- تاريخ الطبري، ج1، ص 616.
وفي (طبقات ابن سعد): "قالوا إن بَلْمصطلق من خزاعة" - القسم الأول من ج2، ص 45.
كما تبدأ حماسة أبي تمام للمرزوقي بقوله:
"قال قُريط بن أنَيف أحد شعراء بَلْعنبر"..كما أورد الجاحظ ذكر (بلعنبر) في أكثر من موضع.
يقول المبرِّد:
"وكذلك كل اسم من أسماء القبائل تظهر فيه لام المعرفة، فإنهم يجيزون معه حذف النون التي في قولك (بنو) لقرب مخرج النون من اللام، وذلك قولك – فلان من بلحرِث وبلعنبر وبَلْهُجَـيْم".
(الكامل في اللغة والأدب- دار الجيل)، ج2 ، ص 250.
ونحن لا نرى هذا الحذف في مثل (بني النمر، بني النجار) بسبب الإدغام، فالعرب لم يجمعوا إعلالين- إدغامًا وحذفًا.
ملاحظتان نحويتان:
* لا أنسَ (أعلاه): أنسَ مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط.
** يصح في كلمة (الآن) إعرابها، فنقول: من الآنِ، ويصح بناؤها، فنقول: من الآنَ، فتعرب: ظرف مبني على الفتح في محل جر.