

الأديب ...... والأنواع الأدبية
لا غضاضة على الشاعر أن يبدع في القصة ، ولا على القاص أن يكون ناقدًا ، ولا على المبدع في لون أدبي أن يصول ويجول في لون آخر أو أكثر من لون .
أقول هذا بعد أن سمعت تساؤلات كثيرة حول من يكتب أكثر من لون أدبي ( جانر ) ، فيقولون له : لو تركزت على ميدان واحد لكنت مجليًا أو متعمقًا فيه ، فالموسوعية انتهى أوانها .....
إزاء ذلك دعنا نتساءل :
ما يمنع الأديب في عصرنا الحاضر ، وقد اختزلت المسافات ، وتواشجت الألوان الأدبية ، وتعانقت القيم أن يكتب ما يكتب – بصدق – وبغض النظر عن النوع الأدبي الذي يكتب فيه ؟؟!
كم يصدق هذا التصور في عصر سيتجاوز عصر الحاسوب الذي نشهده اليوم .
وإذا أجزت لنفسي التخيل فسيأتي يوم قريب ستكون كلماتنا الكثيرة وثرثراتنا منظمة في إشارات وسيميائيات وعلامات ، وستكون الطاقة الإبداعية موجهة لغرض ما يحمل شحنات مكثفة من المتعة والخيال . وعندها قد نفهم معنى أن يكون كل من أدونيس وصلاح عبد الصبور وعز الدين إسماعيل شعراء وناقدين من غير ضرورة لتصنيف اللون أو تحديد صعيد الشعر أو النثر ، وعندها أيضًا نفهم معنى أن يكون فلان كاتبًا في القصة وأدب المقالة بنفس الطرافة والرشاقة ، وأن يكون آخر شاعرًا وناقدًا وقاصًا ووو.
وقد يصح التصور أن هذا الأديب أو ذاك يبرز في لون أو نوع أكثر من سواه ، ولكن هذا التصور نسبي ، تمامًا كبروز الشاعر في قصيدة دون أخرى ، أو في أي عمل أدبي دون عمل آخر ، ضمن اللون الأدبي نفسه ، ذلك لان الأدب هو تكامل ورؤية وموقف من الحياة ، وتعبير عن هذا كله ، فقد يكون لي موقف ما من حدث ما ، لكن هذا الموقف – مهما يكن – لن يكون بعيدًا عن مسار الشخصية ونسيج العلائق الإنسانية كلها . وما التفاوت في هذه العلائق إلا تجليات أو ضرب على الوتر الأدبي بإيقاعات متباينة .
ومع ذلك – وبرغم ذلك – فلا يعني هذا أنك إذا كنت ناقدًا فيجب أن تكون بالضرورة شاعرًا ، ولكنه يعني ألا أغمطك حقك إذا كتبتَ الشعر والنقد معـًا ، فقد تكون قصيدة واحدة لك أيها القاص تعادل ما كتبه شعراؤنا جميعًا ، وقد يكون لك مقال نقدي أيها الشاعر يكون له أثر أي أثر .
إن الأديب كلٌّ واحد .
هو عملية نقدية من الحياة .
هو تعبير شخصي عن رؤية ذاتية وموضوعية .
وليس بالضرورة أن ننصب من أنفسنا حكامًا قساة.... ثم ، من قال إن القسوة في الأحكام تمنع عملاً أدبيـًا جيدًا من بقائه في ذاكرة القراء والمهتمين بالأدب ؟
إذن ، لندع كل نبتة تبسق فلعلها تزهر وتثمر ، ولا نكن من يدعو لاجتثاثها واستئصالها .
وإذا عدنا إلى موضوعنا فإننا نرى أن الناقد الفرنسي ( فنسنت ) قد عالج هذا الموضوع في كتابه المترجَم إلى العربية - نظرية الأنواع الأدبية - ( ص 48 -49 ) يقول :
" ينبغي أن تعلم أن هذه الأنواع الأدبية ليست أشكالاً منفصلة ولا هياكل مغلقة ، قد فصل بعضها عن البعض بواسطة حواجز معينة ، كما تراءى ذلك لبوالو وفولتير بصفة خاصة ، بل هي على العكس من ذلك أشكال مرنة تتقارب وتتداخل في نقط عديدة . إنه لمن الصعب في التاريخ الطبيعي أن نحدد بالدقة متى ينتهي العصر المعدني ، ومتى يبدأ العصر النباتي .. ففي العصر الواحد تتوالى الأنواع متقاربة بدرجة نكاد لا نحس بها ، وكذلك الشأن في الأدب .... وتداخل نوع أدبي في نوع أدبي آخر يشبه واقع هذه الأنواع وحقيقتها التي ينبغي ألا تغيب أبدًا عن نظر الفن" .
وما ينطبق على النص الأدبي ينطبق على المبدع نفسه ، وقد استرعى انتباهي مؤخرًا ظهور لون أدبي جديد بعنوان ( كتابة ) أو ( نص ) يَكتب في إطاره الكثيرون وكأنهم يتجاوزون بذلك عملية التصنيف والتحديد ، ومن شاء التوسع فليتابع رؤية إدوار الخراط حول الحساسية الجديدة.
وإن كنت مصرًا – يا صديقي – على التحديد وإعطاء الهوية المطْلقة ، فإنك ستجد العنت في تعريف إيليوت ووردزوورث والمعري ونازك الملائكة وسلمى الخضراء الجيوسي وصولاً إلى عز الدين المناصرة وأحمد حسين وجميل البرغوثي وأحمد دحبور وثمة أسماء أخرى ، ولا ريب أن صفة قد تغلب على الأخرى ، ولكنها لا تنفي سواها ......