

أنت الآن..نحن..
ما تيسر من غناء الوداع في حضرة الدرويش
ما من مكان في زحمة الرثاء سوى نهنهة القرفصاء..وما من كلام يليق براحل الراحلين سوى سرب عشق معتق في دنان الأمهات..هكذا أبدأ الخاتمة..كلها الكلمات تسمرت منذ غروب السبت..جف الندى..تحت الخماسين.. أطلقها المذيع الجهوري..فبكيتلم يفاجئني موت من ترك الحصان وحيدا..لكنه جزع الفراق..* *أرجعتني الذكريات إلى بدء الرحيق..كان درويش طفلا في تمام العنفوان..قمرا يطل علينا كل شهر بقصيدة....حفظنا كاليتامى كل شيء عن مواويل يغنيها لأم،ولولا شيب حزيران في مفرقيها يا ظلنا ما عرفناك..ولولا قهوة الصبح من يديها ما عرفت الأغنيات..* *صار درويش كهلا..غضنت شعره البنادق والمنافي والخلافات والمسافات من بيروت الى الخضراء..فبان للعاشقين سحر الأخاديد..!!قاد الحداثة حيث شاء فلم تمت القصائد بغته في المزهرية..!!مات من مات في بحور الشعر لأن العشق لم يكن يوما نيشان الحجيج أو خطاب التباهي أعد على عجل للمصفقين.............!!* *وبقيت أنت..أنت وحدك..وحدك طعم الأرض..رغوة الحلم..ألوان العلميا وحدناأسكرتنا فيك التوابل، واسترحنا من هزائمنا على ضفاف قصيدة قالتك يوما في الفراغلملمنا ضفائر شعرك..وحفظنا ها عن ظهر قلب..تذكرنا كيف كنا نضيء التفاعيل مما خبأناه تحت الوسائد ونغني كي يزول الاحتلال..كم كنت رومانسيا حينها..وكم كنا عند بابك فقراء..!!أحببناك..كما أنتاسترقنا منك ما استطعنا من قواف وقبلعتبنا عليك..اختلفنا معك..لكننا لم ننسحب من عشقنا كالآخرين..!!* *كنت نبيا في اجترار الأمنيات..كنت شقيا في لعبة الكلمات..وكنت ذكيا..في اقتياد الأغنيات..المسافة بيننا كانت كالمسافة بين زهر اللوز والحنظلة..قربنا الموت فصرنا جسدين في فضاء من أغان موجعةقبل أيام..رأيناك تفرك ناي كنعان..وتصلي للبعيدأعيتنا التراكيب..ثم.. قرأت لنا عن الرحيل والراحلين..غمرتنا صوفيتك الموحشة..فغرفنا انك تحزم ما تبقى من حنين وتغادر..كما غادر غسان والآخرون..لا فرق في قبضة الردى بين السكتة والرصاصةسيدي لم تمت بالقلب..إنما متنا فيك جرحا تقيأ بين رام الله وغزة* *غادرتنا..لربما نسيت أن على هذه الأرض ما يستحق الحياةغادرتنا..ولما ننتهي بعد من جنون العابرين..!!غادرتنا..أعدتنا ليتمنا..أريتنا..قبحناودعتنا بلا وداعكل المنافي لم تتسعك..عدت صمتا لاذعا..جسدا يفارقه الغناء..لكأن روحك لا تزال ترفرف فوقناولا تهبط مع هبوط الطائرةأخذتك رام الله بين ذراعيها..مسحت على شعرك كالمسيح..أي صلاة عليك تجوز..وأي شعر عليك يجوز..هنا..كأنا هناكحاولنا احتضانك..ردنا التلفازقبلتك شفاهنا عن بعدوانتحبناعذرا..ليس بالإمكان أن ندحر ليلا بأيدينا صنعناهوليس بالإمكان أن نجني من الوقتسوى شوك زرعناهفآه..حين تلقى الموتوآه حين..نلقاه* *يا محمودبالله عليك..بلغ منا السلام لكل الذين استفاقوا..و أعطوا النهايات لون التراب..فأنت..وهم..شهقة الياسمينوأنت وهم..لون حرقتنا في حضرة الغياب..!!* *هرول الجثمان..من فوق الأكفاستقر على الفضاءقرأنا الفاتحة..هذا المسجى.. أرضع شعره للعاشقين البارحةهذا المسجى.. ألقى قصيدته الأخيرة..فوجمناصرخنا كما يحكى الرواة عن نخل تقصف في العراقصرخ الجميع..رحماك ياسيد الشعراءأنت الآن نحن..أنت الآن نحن..!!
ما تيسر من غناء الوداع في حضرة الدرويش