

أمسية شعرية في ربيع الشعر
الخميس 19/3/2009، ستقودني قدماي إلى المركز الثقافي الفرنسي في نابلس لحضور أمسية شعرية يحييها شاعر عربي تونسي هو طاهر بكري. شاعر يكتب الشعر باللغتين؛ الفرنسية والعربية، وهو شاعر يمكن أن يقال عنه إنه يدرج ضمن الأدب الفرانكفوني، أكثر مما يدرج ضمن الأدب العربي! لماذا مع أنه عربي الأصل؟ ببساطة لأنه أصدر خمسة عشر ديواناً بالفرنسية، وديوانين اثنين بالعربية.
كانت أم حسين، وهي تونسية متزوجة من فلسطيني عاد مع العائدين، قد اتصلت بي، كعادتها حين يكون هناك نشاط في المركز الثقافي الفرنسي، لتعلمني أن ضيف هذا العام على المركز سيكون شاعراً تونسياً، وأن حضوري واجب هذه المرة، فالشاعر من بلدها الأول. ولم أخيب أملها، فقد لبيت الدعوة، لا لأني أتصرف أحياناً مثل الجندي الطيب تشفايك، بطل رواية الكاتب التشيكي (يا روسلاف هاتشيك)، أو مثل سعيد المتشائل، بطل رواية إميل حبيبي، وإنما لأنني أريد أن أعرف شيئاً عن الأدب التونسي، فحضوره في فلسطين غير لافت، علماً بأن تونس احتضنت م.ت.ف بعد الخروج من بيروت، وبقيت معارفنا عن الأدب التونسي، مع ذلك، قليلة. هل اكتفينا بقراءة أبي القاسم الشابي؟ ربما.
وسأحضر إلى المركز الثقافي مبكراً، قبل موعد الأمسية، وأيضاً بناءً على طلب أم حسين، وذلك حتى أتعرف إلى الشاعر وأتحاور معه ثقافياً.
العام المنصرم فعلت الشيء ذاته، فقد استقبلت الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، وتعرفت إليه، وتحاورت معه حول أدبنا والأدب المغربي المعاصر، تلك فرصة لكي أثري معارفي وأوسع مداركي، وأنقل في الوقت ذاته إلى الضيوف شيئاً، ولو بسيطاً، عن أدبنا. وسأستمع إلى الشاعر طاهر بكري يقص علي عن كاتبات تونسيات وكتاب تونسيين معروفين في العالم العربي، ولكنهم غير معروفين لنا في الأرض المحتلة. قد نكون سمعنا بأسماء بعض منهم في حوارات عامة، وقد نكون قرأنا أخباراً عن نتاجاتهم في الصحف والمجلات، ولكنا لم نقرأ لهم نصوصاً. الحبيب السالمي مثلاً، روائي تونسي مشهور، رشح هذا العام لجائزة (بوكر) العربية، وصمد ترشيحه، وكان واحداً من الروائيين الستة الذين رشحوا للجائزة، من بين مائة وعشرين روائياً. الحبيب السالمي سمعنا عنه ولم تقرأ له، وقد تشجعت، بعد لقائي بالشاعر طاهر بكري على قراءة أعماله.
قبل أن يحضر الشاعر إلى المركز سأجلس مع ضيوف قليلين منهم حكيم العامل في المركز، وكان أحد طلابي قبل سنوات، وسيعرض عليّ ديواني شعر لسميح القاسم صدرا حديثاً عن إضاءات، الأول عنوانه (أنا متأسف) والثاني عنوانه (مكالمة شخصية جداً مع محمود درويش). منذ فترة لم أقرأ لسميح، فأعماله لا توزع في الضفة كما توزع أعمال محمود درويش. سأشتري الديوانيين بسعر التكلفة، بأربعين شيكلاً، ظاناً أنهما جديدان كل الجدة. أحدهما كان كذلك والثاني قصائد قديمة وجديدة، أكثرها منشور في أعمال سابقة. هل أقول إن سميح خدعني؟ لا بأس. لا بأس من التضحية بعشرين شيكلاً. وحين يقول لي أحد الحاضرين عن رأي في شعر سميح القاسم، سمعه من شاعر عربي، أوافقه الرأي، هل كتب سميح بعد (دخان البراكين) (1968) شعراً؟ ربما يكون العيب في ذائقتي وذائقة ذلك الشاعر الذي قال إن سميحاً لم يكتب الشعر منذ ذلك الحين. ربما، وليغفر لي سميح لرأيي هذا، فلعله خطيئة.
سيقرأ طاهر بكري قصائد باللغتين، العربية والفرنسية، سيقرأ قصائد عن غزة وجنين، وعن أفغانستان أيضاً، وسيقرأ أيضاً قصيدة عن الفرق بين شاعر وشاعر، بين شاعر يكتب الشعر، وشاعر منافق مداح، بين شاعر حقيقي وشعرور، وسيقرأ قصيدة في رثاء محمود درويش. أحد الجالسين إلى جانبي، وهو دكتور جامعي درس في فرنسا، همس لي: إن أشعاره بالفرنسية أجمل منها بالعربية، وحتى القصيدة الواحدة، القصيدة نفسها، حين يقرأها بالفرنسية وبالعربية، تكون بالأولى أجمل. أتذكر ما كتبه ادوارد سعيد في كتابه (الاستشراق) عن الفرق بين لغتيْ المستعمرين: فرنسا وبريطانيا، وجمال الفرنسية وانسيابها مقابل الانجليزية، وفيما بعد، سأمعن النظر في (لوسي) (لوسيان)، لأربط بينها وبين لغتها، وسأصغي اليها وهي تتكلم. و(لوسيان) هي المسؤولة عن المركز الثقافي الفرنسي في نابلس، سأمعن النظر فيها وفي لغتها، لأتأكد مما قالع ادوارد سعيد، فهل أصاب؟
الطاهر بكري غادر تونس في العام 1976، هرباً من النظام في حينه، ولم يعد يزورها إلا في العام 1989، وهو الآن يقيم في باريس، ويعلم في إحدى جامعاتها. يقرأ ويكتب الشعر ويترجم، وكان أعد رسالة الدكتوراة عن الأدب المغاربي الفرانكفوني. هل الطاهر بكري شاعر تونسي أم فرنسي؟ سيقول في الأمسية: أنا شاعر أقيم في منزل له نافذتان واحدة تطل على العالم العربي، والثانية على الثقافة الفرنسية، لأكون جسر تواصل بينهما. وكل ربيع والمركز الثقافي الفرنسي بخير!!.