

أدعياء الكتابة
الحديث عن أدعياء الكتابة قديم، وإذا كنا في أيامنا نتذمر ونسخر ممن ليست لهم المَلَكة، فقد كانت الظاهرة مألوفة، وكان هناك من يعارض، بل يهجو، فهذا المتنبي يشكو لسيف الدولة:
بأي لفظ تقول الشعر زِعنِفةتجوز عندك لا عرب ولا عجم؟
ويشكو ثانية من ظهور المتطاولين:
أفي كل يوم تحت ضِبني شويعرضعيف يُقاويني قصير يطاول
هذا محمد بن القاسم المعروف بأبي العيناء الأخباري- يهجو أسَد بن جوهر الكاتب:
أو ما ترى أسد بن جوهرَ قد غدامتشبّهًا بأجلّة الكتّابتعس الزمان لقد أتى بعُجابومحا رسوم الظرْف والآدابوافى بكُتّابٍ لو انبسطت يديفيهم رددتهمُ إلى الكتّاب
(الكُتّاب الأولى جمع كاتب، والثانية مكان تعليم الصِّبية)
جيل من الأنعام إلا أنهممن بينها خُلقوا بلا أذنابلا يعرفون إذا الجريدة جُرّدتما بين عيّاب إلى عتّابفإذا أتاه سائل في حاجةرَد الجواب له بغير جوابوسمعت من غثِّ الكلام ورثّهوقبيحِه باللحن والإعرابثكِلتك أمُّك هبْك من بقر الفلاما كنت تغلط مرة بصواب!
(ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ج 18، ص 303)
ولآخر يهجو كاتب خَراج:
لو قيل كم خمس وخمس لارتأىيومًا وليلته يعدّ ويحسبيرمي بمقلته السماء مفكرًاويظل يرسم في التراب ويكتبويقول معضلة عظيم أمرهاولئن فهمت فإنّ فهمي أعجبحتى إذا خدرت أنامل كفهعدّا وكادت عينه تتصوبأوفى على نشز وقال: ألا اسمعواقد كدت من طرب أجنّ وأسلبخمس وخمس ستة أو سبعةقولان قالهما الخليل وثعلبفيه خلاف ظاهر ومذاهبلكن مذهبنا أصح وأصوبوخواطر الحسّاب فيها كثرةوأظن قولي فيهم لا يكذب
وممن كان صوابه عن غير اعتماد وخطؤه بعد تروّ واجتهاد شجاع بن القاسم كاتب أو تامش التركي، وكان أميًا لا يقرأ ولا يكتب ولا يفهم ولا يُفهم، وإنما علم علامات كان يكتبها في التوقيعات.
(الوطواط، غُرر الخصائص الواضحة، وعُرر النقائص الفاضحة- ج1، ص 278)
ومن شعر الهجاء ما ذكره ابن عبد ربه عن كاتب:
حمار في الكتابة يدّعيهاكدعوى آل حرب في زيادفخلِّ عن الكتابة لست منهاولو لطختَ ثوبك بالمِداد
(وروي "سودّت" بدل "لطخت")
نسب الشعر في (العقد الفريد) مرتين:
مرة- قال بعض الشعراء في صالح بن شِيرزاد (ج4، ص 171)،
وأخرى- قال بعض العراقيين في أبي مُسْهر الكاتب (ج6، ص 133).
والطريف أن الزوزني في (حماسة الظرفاء) زاد عليهما بيتًا ثالثًا هو:
فـ "ديوانُ الخراج" بغير جيمٍو"ديوانُ الضِّياعِ" بفتحِ ضادِ
لكني وجدت هذا البيت الأخير بصورة أخرى في كتاب الراغب الأصفهاني- (محاضرات الأدباء) ج1، ص 98:
"ولما ولي الفضل بن مروان ديوان الخَراج، وموسى بن عبد الملك ديوان الضِّياع، قال محمد بن يزيد المراعي:
أرى التدبير ليس له نظاموأمر الناس ليس بمستقيمفديوان الضّياع بفتح ضادوديوان الخراج بغير جيم!
أما "دعوى آل حرب في زياد" الواردة أعلاه فتعيدنا إلى حكاية "الاستلحاق"، حيث استلحق معاويةُ زيادَ بن أبيه، فادعى أنه أخوه، وأن زياد هو ابن أبي سفيان، والغرض كان سياسيًا محضًا، حتى أن عددًا من الشعراء أنكروا عليه ذلك، فقال عبد الرحمن بن حسّان:
ألا أبلغ معاوية بن حربمُغلغَلةً من الرجل اليمانيأتغضب أن يقال أبوك عفٌّوترضى أن يقال أبوك زانِفأشهد أن رحمك من زيادكرحم الفيل من ولد الأتان
وثمة هجاء آخر لبعض الكتّاب، كقول شاعر:
دخيل في الكتابة ليس منهافما يدري دبيرًا من قبيل
وقول آخر:
دعيٌّ في الكتابة لا رويّله فيها يُعدّ ولا بديهُ
فهل حالنا اليوم كحالنا أمس؟